لم تخب التوقعات التي سردها اليمنيون منذ الأمس عن طبيعة الإحاطة التي سيقدمها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن جريفيث، وحقيقة الدور الأممي المعمول به في التعاطي مع الحرب القائمة في البلاد، بين قوات يعترف بها العالم أجمع بأنها "جيش الجمهورية اليمنية" ومليشيات انقلابية أقل ما توصف به بأنها متمردة.

 

جاءت إحاطة جريفيث على أنقاض اتفاق السويد الذي رمت به المليشيات عرض الحائط وتنصلت عن تنفيذه أمام عيون العالم والأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها، ورئيس بعثتها إلى الحديدة باتريك كاميرت؛ ورغم ذلك التخلف المتعمد من قبل المليشيات الكهنوتية لغرض فرض المزيد من العذاب على أبناء اليمن يظل الرأي الأممي "محايداً" يسوغ وحشية الكهنوت ويبرر له جرائمه الدموية.

 

هذه المرة من العاصمة الأردنية عمان وعبر دائرة تلفزيونية مغلقة قدم جريفيث إحاطته إلى مجلس الأمن؛ بعد تعثره في الوصول إلى نيويورك لعدم وجود وقت كافٍ كان قد أضاعه في ضيافة المليشيات التي حضر إليها لدفعها إلى التنفيذ وعندما رفضت عاد يحمل لها الأعذار والمبررات ليسوقها أمام أعضاء مجلس الأمن.

 

يقول جريفيث في إحاطته أن الحكومة اليمنية والمليشيات "امتثلا بشكل كبير لاتفاق وقف إطلاق النار في محافظة الحديدة الذي دخل حيز التنفيذ في الثامن عشر من ديسمبر/كانون الأول"، والحقيقة المرصودة بالأرقام والإحصاءات تدحض مثل هكذا ادعاء منفصل عن الحقيقة.

 

في أحدث تقرير صادر عن وحدة الرصد بمحور الحديدة حتى السابع من يناير –يوم نهاية الفترة الزمنية لتنفيذ اتفاق السويد-، فندت الأرقام 434 خرقاً عسكرياً ارتكبتها المليشيات الكهنوتية، خلفت 33 قتيلاً، و263 جريحاً، غالبيتهم من المدنيين النساء والأطفال، وبعضهم جنود من القوات المشتركة كانوا ممتثلين لوقف إطلاق النيران.

 

هذه الأرقام المحصورة ببيانات تم رصدها ميدانيا، ووثقت في أغلبها الصورة لضحايا قضوا بنيران الحوثيين، لم يبنِ عليها جريفث جملة واحدة في إحاطته التي كان أكبر الصدق فيها أنه نقل الموقف الرسمي للحكومة اليمنية والرئاسة بتأكيدهما على أن "الاتفاق خطوة مهمة لتحقيق حل شامل للأزمة اليمنية". وهو موقف القوات المشتركة التي تخوض حرباً لكف الجرائم الحوثية وتحقيق السلام في البلاد.

 

وكان وزير الدولة الإمارتية أنور قرقاش أكد في وقت سابق أن "التطبيق الكامل لالتزامات السويد أولوية بعيدا عن التسويف والتعطيل والتلاعب، والهروب عبر المطالب والشروط الجديدة لن ينفع الحوثي هذه المرة، ومن الضروري التنفيذ الكامل للانسحاب من ميناء ومدينة الحديدة للاستمرار في المرحلة القادمة للعملية السياسية".

 

أما مبعوث الأمم المتحدة فيرى أنه "لا ينبغي أن نفقد الزخم الحالي لدفع العملية السياسية قدما. هناك الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به كي يصل الطرفان لاتفاق سلام شامل، مما يجعل التطبيق السريع لما تم الاتفاق عليه أمر ضروري". فيما الحقيقة أن المدارة الأممية لجماعة التمرد الانقلابية ستجعل اليمنيين يفقدون الثقة كاملة بالأمم المتحدة، ويتبدد ذلك الزخم الذي يبني عليه أقواله؛ ومن المنطقي أن تفرض المنظمة الأممية إجراءاتها القانونية بشكل صارم لكي تُخضع المليشيات حتى تحافظ على "الزخم الحالي".

 

موقف الحكومة اليمنية والقوات العسكرية على الأرض في حال الدعوة لأي جولة سياسية مشروط بتنفيذ اتفاق الحديدة، وما دعوة جريفث للعمل "مع الطرفين للتوصل لاتفاقات حول دعم البنك المركزي اليمني وإعادة فتح مطار صنعاء. حل هذين الأمرين سيمثل إسهاما ذا شأن لتخفيف المعاناة الإنسانية في اليمن". إلا محاولة لتلطيف الأجواء المشحونة.

 

متأسفاً يضيف المبعوث الأممي "وقع بعض العنف، بما في ذلك في مدينة الحديدة وفي المقاطعات الجنوبية من المحافظة. ولكن العنف محدود مقارنة بما شهدناه في الأسابيع التي سبقت مشاورات ستوكهولم. الهدوء النسبي، كما أعتقد، يشير إلى المنفعة الملموسة التي أسفر عنها اتفاق ستوكهولم للشعب اليمني، وإلى استمرار التزام الأطراف بإنجاح الاتفاق". مزيداً "تفعيل لجنة تنسيق إعادة الانتشار خطوة هامة، وينبغي على الطرفين مواصلة الانخراط بشكل منتظم وبحسن نية مع الجنرال كاميرت وفريقه، حتى يتم التنفيذ السريع للترتيبات الأمنية ولتحسين مرور المساعدات الإنسانية". ولم يحدد البتة من المعرقل لتفعيل دور لجنة تنسيق إعادة الانتشار، أو تحديد على من تلقى المسئولية فيما يخص "بعض العنف".

 

وفي تصريحات صحافية أكد محافظ الحديدة الحسن طاهر أن "مليشيا الحوثي لم تنفذ أي بند في اتفاق ستوكهولم، ولم تنفذ أي بند في اتفاق ستوكهولم". وقبله شدد مندوب اليمن في الأمم المتحدة السابق أحمد عوض بن مبارك على أن "انتهاك الحوثيين لوقف النار في الحديدة محاولة لإجهاض اتفاق، وخروقاتهم للهدنة ممنهجة". مضيفا "434 انتهاكا لوقف إطلاق النار في الحديدة من قبل الحوثيين، واتفاق ستوكهولم ضرورة حتمية قبل المضي قدما في مشاورات جديدة". لافتا إلى أن "بنود اتفاق ستوكهولم واضحة ولا تحتمل التأويل".

 

وفي أمر الميدان لا مصلحة للمليشيات إذا ما قرر الحسم العسكري خاصة أن العالم كله يعلم "أن قوة الحوثي ليست بالتي أوقفت زحف القوات المشتركة نحو الحديدة، وأن الضغط الدولي كان وراء وقف المعركة، ويعلم أن الحوثي استغل ذلك لحشد المزيد من المقاتلين للحديدة". كما يقول الصحافي محمد جميح معلقاً على تسللات المليشيات الأخيرة في كيلو 16.

 

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية