من الواضح أن المليشيا الكهنوتية لم تتعاط مع الجهود السياسية المكثفة مؤخراً، ولا مع دعوات مجلس الأمن الدولي، وتطمينات المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث؛ وقبل هذا كله لا تُقدر الحالة الإنسانية الصعبة التي يعيشها أبناء مدينة الحديدة تحت الحصار الكهنوتي الظالم، وذاك دوماً هو سالفها في الحرب ومراوغتها في السلام، إذ من البديهي عادةً أن يحمل المدنيون ثقل هذا التملص المُلازم لمليشيا الإرهاب الحوثية تجاه أي خطوة ترمي لتحقيق السلام بعيداً عن استخدام القوة.

 

اتفقت القناعات اليوم لدى اليمنيين أن السلام مع جماعة الحوثي الإرهابية، ليس إلا إهداراً للوقت يخلف تبعات مأساوية تبدو مفاعليها في وجوه آلاف البائسين من أبناء اليمن، ممن تسرق المليشيا أقواتهم وتجور بهم، وتأخذهم عنوة إلى محارق الموت على جبهات القتال، أو تلزمهم على أن يدفعوا كلفة الحرب الظالمة التي تشنها ضدهم تحت اليافطة المعروفة "المجهود الحربي".

 

في مدينة الحديدة تتجمع المآسي والمظالم دفعة واحدة، يستمع إلى بعضها محرر "وكالة 2 ديسمبر"، خلال حديثه إلى سكان محليين في المدينة سردوا واقعاً مُراً يعيشونه تحت سطوة الكهنوت الحوثي، بعد أن تبددت بوارق الأمل التي عُقدت سلفاً باتفاق السويد، وانفرط عقدها عندما أخذ الزمن يشق مساره والواقع كما هو لم يتغير.

 

يضطر السكان لقطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام بعد غلق الحوثيين أغلب الشوارع ونصب نقاط أمنية وعسكرية وحواجز إعاقة السير وتفتيش المارة بشكل متفحص. ويورد أحد السكان في مدينة الحديدة شهادته على الواقع في رسالة تلقاها المحرر، يقول فيها: " أنا أسكن في شارع الميناء ويتعين علي السير لمسافة كيلو متر سيراً على الأقدام حتى استقل سيارة، رغم أن منزلي يطل على الخط الرئيسي".

 

كل شيء في المدينة بات معرضاً للنهب، يشكو سكان من نهب سياراتهم وعندما يقدمون الشكاوى إلى أقسام الشرطة ينصحون بتجنب رفع الشكوى، فيما شكا آخرون من نهب عدادات المياه والكهرباء، وتعرض المنازل المغلقة لتهجم ونهب ليلي من قبل عناصر المليشيا الإرهابية.

 

لا يتورع الحوثيون إذاً عن ارتكاب الجرم مهما كانت فداحته، هم يدركون أنهم في الرمق الأخير ولذا يعودون إلى إجراء "ما قبل النهاية" يستخدمون كل ما أمكنهم من أساليب لممارسة الجنايات والجرائم بحق سكان المناطق التي يشعرون أنهم سيغادرونها طوعاً أو كراهية.

 

بالنظر إلى الوقت الذي استهلكه الحوثيون منذ الـ 13من ديسمبر الماضي، يوم إعلان اتفاق ستوكهولم، فقد قضوه كله في العمل على توسيع دائرة المأساة وتفكيك النسيج الاجتماعي وتضييق حياة المدنيين وارتكاب المذابح في مناطق سيطرتهم بالرصاص العائد والقذائف الضالة، وقتل المدنيين في مناطق سيطرة القوات المشتركة بالقصف الممنهج والمخطط له سلفاً.

 

في شارع جمال وسط المدينة على المواطن "م ن ع" أن يفتح منزله يومياً لدورية حوثية تفتش الحي بشكل مستمر تخوفاً من ايواء المواطنين لرجال المقاومة، حسب ما يدعي الحوثيون الذين يثقون جيداً بعدم وجود حاضنة اجتماعيةً لهم في المدينة.

 

يقول المواطن الذي اشترط لثلاث مرات عدم ذكر اسمه، أن منزله ليس الوحيد في الحي، بل أغلب الأحياء في المنطقة يتم تفتيشها على هذا النحو، يدخل عناصر المليشيا فيعبثون بالمنزل من ويعثرون محتوياته، وعلى الساكنين أن يستعدوا لإعادة ترتيب حاجياتهم التي يبعثرها عناصر الحوثي بشكل أصبح "روتيني" كما يصف.

 

وفي ذات المنطقة تشجع أحد النازحين من حي 7يوليو للحديث لمحرر الوكالة، يشرح كيف أصبحت الأمور قاسية في المنطقة التي يتواجد فيها، ويشير إلى أن "الحي أصبح ملغم بالكامل، لا يوجد منزل بلا ألغام أو عبوات ناسفة، ونحن أجبرنا على النزوح، وعندما عدت لجلب حاجياتي بعد يومين من نزوحي، وجدت منزلي محشي بالعبوات الناسفة بشكل كامل، لاحظني بعدها عناصر المليشيات واعتقلوني ليومين من أجل لتحقيق ثم تركوني‘‘.

 

يهيئ الحوثيون أنفسهم لنسف هذا الحي الحضري في الحديدة عندما يشعرون بقرب نهايتهم فيه، أتخموه بالألغام والعبوات الناسفة بشكل كلي لتفجيره في وقته، كما هو الحال في حي غليل ومعظم الأحياء الواقعة شرق المدينة بعد أن تركها أهلها قاصدين الأمان في مناطق أخرى.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية