يحتفي اليمنيون بتاريخيهم وثقافاتهم المتوارثة في كل محطة تتطلب التفتيش في زوايا التاريخ، وبين زخم هذا الصخب من لذة الانتماء للماضي بكل تفاصيله العريقة، يستذكر أبناء البلد الكائن في زاوية استراتيجية جنوب الجزيرة العربية محطات من تاريخ الحكم في بلدهم، خصوصاً في العصور "الذهبية". تلك التي مضت وتركت لهم مجداً ما تزال معالمه حيةً حتى اليوم، بالذات منها عرش الملكة بلقيس، كبرى صروح التاريخ في اليمن، وهو الذي يعيد إلى أذهانهم أجود عصور الحكم ليمنهم.

 

إلى جانب الشعور الزهو بالانتماء للتاريخ، يحتفظ اليمنيون بعادات وتقاليد ما تزال قائمة إلى اليوم، لكنها تلاقي تهديداً كبيراً في ظل العمل الممنهج لمليشيات الحوثي الإرهابية التي تحاول تفخيخ المجتمع ونزع عاداته وتقاليده لإبدالها بما يناسب طبيعة المشروع الطائفي لها، ومن أجل ذاك لا تتورع عن استخدام أي أسلوب مهما بلغت فظاعته.

 

لم تكن المرأة اليمنية بمعزل عن هذا الاستعباط، خاصة وأن المليشيات ترهص على تنفيذ ما يحلو لها، حتى باتت المرأة أمام هذا المشروع تواجه صلفين في آن واحد، الأول سحبها من نطاقها الألق في جملة التقاليد اليمنية وتحويلها إلى أداة تنتفع بها المليشيات الحوثية لتصريف أهدافها الناقمة على اليمنيين، وهو أمر يتجسد من خلال المجندات التي تدفع بهن المليشيات إلى المشهد الأمني والعسكري، أو من يسمين بـ "الزينبيات" سواء كنَّ من النساء التابعات للمليشيات أو ممن يتم التغرير بهن. أما الصلف الآخر فيتمثل بالانتهاكات التي تمارسها الجماعة الإيرانية ضد اليمنيات، وبالذات في صنعاء التي تلاقي أكبر قدر من الانتقام الحوثي.

 

والمحطات فيما يتعلق بالانتهاكات الحوثية ضد النساء اليمنيات لا تحصى، ما يؤكد فداحة الانتهاكات الحوثية التي أعلن عنها مؤخراً على لسان المتحدث باسم التحالف العربي العقيد تركي المالكي الذي أكد أن المليشيات "كشفت عن إفلاسها بعد تجنيد النساء والأطفال في ميدان المعركة في حربها في العمليات العسكرية". وهي إضافة إلى ما تداولته تقارير إعلامية سلفاً عن افتتاح المليشيات الانقلابية نحو أربعة معسكرات تدريبية لتجنيد النساء في اليمن بعضها في صنعاء العاصمة.

 

وشكلت المليشيات فرقاً عسكرية أمنية نسائية تحت مسمى "الزينبيات" إلا أن مهامهن اقتصرت في البداية على الجانب الأمني وبالذات في صنعاء، وأوكلت لهؤلاء النسوة عمليات اقتحام المنازل الفجائية، وتفتيش النساء ومتابعة الناشطات المعارضات للمليشيات، وكذا تفريق التظاهرات والاحتجاجات النسائية في المدينة، ويتم ذلك بالعادة تحت حماية عناصر مسلحة من المليشيات الانقلابية.

 

وفي ديسمبر الماضي اعتدت زينبيات الحوثي على تظاهرتين نسائيتين خرجتا إلى ميدان السبعين وأمام المستشفى العسكري عقب استشهاد الزعيم علي عبد الله صالح، وأدت حادثتا الاعتداء إلى إصابة عدد من النساء المشاركات، حيث أطلق عناصر حوثيون أعيرة نارية في الهواء لتفريق النساء فيما نفذت الزينبيات اعتداءات بالهراوات والعصي المكهربة ضد المشاركات. والحادثة تكررت مع المئات من النساء اللاتي خرجن في بداية الثلث الأخير من مارس الماضي لإحياء ذكرى ميلاد الشهيد الزعيم علي عبد الله صالح ووضع باقات الورود أمام منزله، ويومها أكدت المصادر احتجاز المليشيات لثلاثين امرأة وإصابة عدد منهن بينهن الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي العام فائقة السيد.

 

ولا يعدُ هذا حصراً لانتهاكات المليشيات، فالأمر يباعد ذلك من حيث بشاعة الانتهاكات. وطبقاً لمصادر أمنية فإن المليشيات تعتقل العشرات من النساء في معتقلات خاصة لأسباب غير معلومة. مشيرةً إلى أن السجينات يتعرضن لانتهاكات صارخة وبعضهن يتم ترويضهن فكرياً لنقلهن إلى المعسكرات النسوية الحوثية "فرق الزينبيات".

 

شراهة المليشيات الحوثية ورغبتها في تفكيك النسيج الاجتماعي اليمني وتغيير جغرافيا الهوية الاجتماعية لليمنيين يمثل قاعدتها الأساس لترسيخ أهدافها، واحتواء المرأة كجزء هام في هذه اللعبة الحوثية ليس بالأمر السهل لكون اليمن مجتمع راسخ في تقاليده من جهة، ومن جهة أخرى لأن الهدف الحوثي يعني للمليشيات استخدام المرأة من أجل تحقيق مآربها، وهذا بحد ذاته لن يحدث أي اختراق في تقاليد اليمنيين وانطباعهم في اعتبار ما يفعله الحوثيون أشد انتهاك يطال المرأة عبر التاريخ.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية