ماذا يعني أن تفصلك مبان قليلة للغاية عن المكان الذي عاش فيه سيجموند فرويد، وتمر يوميا في نفس الشارع الذي سار فيه قبل أكثر من 100 عام؟

ربما هذا يجعلك معلقا بشكل دائم بين زمنين منفصلين، أو ربما يدفع عقلك للسفر عبر الزمن، وإغلاق عينيك قليلا لتتخيل شكل المكان في القرن الـ19.

لكنه بكل تأكيد يغلف حياتك بشكل من الإثارة والبحث دائما عن شيء خفي، ليس لأنه لغزا، لكن لأنه حدث مر عليه أكثر من 100 عام.

وتقول سوزان تسيمرمان، وهي مواطنة نمساوية شابة كانت تتفقد منزل فرويد، الذي تحول إلى متحف في الوقت الراهن: "السحر يكمن دائما في الوسط المحيط بالشخصيات التاريخية".

وتضيف لـ"العين الإخبارية": "ربما تغير الزمان، وتغيرت بعض ملامح فيينا الذي عاش فيها فرويد، لكن لا يزال هذا الشارع وهذا المنزل شاهدا على فترة حياة ملك التحليل النفسي".

وتتابع: "أتردد على هذا المكان، وأسير في الشارع على فترات، ربما كمحاولة لمحاكاة عصر فرويد، وتخيل حياته. هذا في حد ذاته يشعرني بكثير من النشاط الذهني"، مضيفة: "فرويد كان يملك فكرة وجدلية ما عن الأحلام، وها أنا أغرق في أحلام اليقظة حول حياته بعد أكثر من 100 عام".

متحف فارغ

لمدة 47 عاما، عاش فرويد في المنزل رقم 19 في شارع "برج جاسه" الواقع في الحي التاسع بمدينة فيينا، قبل أن يضطر للهروب إلى لندن بعد ضم النازيين للنمسا في عام 1938.

ومنذ 1971، تحولت الشقة التي عاش فيها فرويد بهذا المنزل، وكان فيها مكتبه أيضا، إلى متحف عن الرجل الذي ترك علامة في علم النفس، يجذب سنويا نحو 100 ألف شخص.

وفي أغسطس/ آب 2020، أعيد افتتاح المتحف بعد 18 شهرا من التجديدات، لكن بشكل مختلف هذه المرة، بعد أن تحول بالكامل لملكية المتحف، وافتتحت جميع الغرف أمام الجمهور، بالإضافة إلى طرق جديدة لعرض محطات حياة الرجل بشكل تفاعلي.

 

 

وفي الدور الأول، تم افتتاح "فرويد شوب" أبوابه، وهو متجر يبيع منتجات مختلفة تعمل صورة الرجل، بدءا من بعض الملابس إلى الكتب وغيرها من المقتنيات التذكارية.

لكن هناك شيئا مختلفا في متحف فرويد عن بقية المتاحف المماثلة، فمعظم الغرف خالية من الأثاث الذي عاش عليه مؤسس علم التحليل النفسي وأسرته، لأنه أخذ كل مقتنياته معه عندما فر إلى لندن.

وفي تصريحات صحفية صيف العام الماضي، قال المهندس المعماري هيرمان تشيك للصحفيين: "نحن أمام معرض يظهر أن شيئا لم يتبق هنا".

 

وتابع: "هذه كانت نقطة الانطلاق التي بدأت منها مشروع تحديث المتحف"، مضيفا: "باتت كل الغرف الخاصة لعائلة فرويد جاهزة لتبوح بأسرار حياته للعامة".

ومضى قائلا: "وجدنا أنفسنا أمام مساحات فارغة. هذا هو ما تحصلنا عليه. هذه المساحات الفسيحة هي السبب والهدف الرئيسي وراء المشروع، وليست لمسة معمارية بقدر ما هي تعبير عن الوسط المحيط بشخصيات تاريخية".

وذكر المهندس أن "أسرة فرويد طردت من عالمها"، مبررا بذلك خلو المنزل من الأثاث، مضيفا: "إعادة الأريكة من لندن كانت تشكل تزويرا للتاريخ"، في إشارة إلى قطعة الأثاث الشهيرة التي كان فرويد يشخّص مرضاه عليها. عودة إلى الماضي

ويغلق المتحف أبوابه هذه الأيام في ظل إجراءات الإغلاق الرامية لمحاصرة فيروس كورونا المستجد في النمسا، لكن الشارع لا يكف عن البوح بأسرار حياة فرويد.

وفي كل مرة تطأ قدمك هذا الشارع، وتمر من هذا المكان، تشعر باضطراب غريب داخلك ينقلك تلقائيا إلى زمن فات، وتتحول عينك إلى شيء يشبه صندوق الدنيا يعرض ومضات سريعة من تاريخ مضى عليه سنوات طويلة.

كل ذلك مرتبط بهذا المكان، وهذا المنزل الذي ظهر مؤخرا في مسلسل عن حياة فرويد عرض على أحد المنصات الإلكترونية، وكأنه هو الخيط الرفيع الذي يربط بين زمنين مختلفين.

 

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية