وحيدا يقف منتصبا على قارعة الطريق ماداً يده نحو العابرين طلباً للمساعدة بعد أن غدر به الزمن الذي تصادف مع وجود مليشيا الموت القادمة من صعدة.

 

بداية العام 2016 ذروة التوحش الحوثي على مدينة تعز فقد مصلح إبراهيم البالغ من العمر 70 عاما زوجته بقذيفة أطلقتها مليشيات الحوثي على منزله الكائن في نقيل أبيض قرب وادي القاضي أحد أحياء مدينة تعز.

 

يقول مصلح وعيونه تغرق بالدموع سارداً قصته المأساوية لمحرر "وكالة 2 ديسمبر"، "كنا نتسامر نتذكر أيام الزمن الجميل والسعادة التي كانت ترافق حياتنا"، كانت جلسة سمر ليلية جميلة لا تختلف كثيرا عن الليالي التي كنا نقضيها معا في سنوات ما بعد الزواج، وبالرغم من أصوات القذائف التي كانت تدوي في كل مكان محدثة اهتزازات عنيفة إلا أننا لم نعرها اهتمامنا فقد اعتدنا على سماعها بشكل يومي.

 

تحدثنا كثيراً عن الوضع المتغير في المدينة وكيف حولتها مليشيات الإجرام إلى ساحة حرب تنهال فيها قذائفها على رؤوس السكان بدون أي جرم ارتكبوه سوى أنهم عارضوا المشروع التدميري الذي تنادي به المليشيات، وفجأة دوى صوت انفجار ضخم، ناجم عن قذيفة سقطت بالقرب من المنزل الذي نعيش فيه فتطايرت شظاياها في كل مكان محدثة ضررا في كل شيء صادف طريقها.

كان الرمل والحصى المتطاير ورائحة الانفجار الممزوج بالأتربة تغطي كل شيء.

 

يضيف" ولأننا كنا في باحة المنزل فقد وقعت إحدى تلك الشظايا على زوجتي مما أدى إلى إصابتها بإصابة بالغة كان الدم يغطي كل جسدها، حاولت سد مكان النزيف دون جدوى، وعندما أيقنت أنني عاجز عن إنقاذ حياتها أطلقت صيحة استغاثة مدوية، سمعها كل من كان بالحارة".

 

مشاهد مؤلمة

مشاهد الدماء وهي تسيل بهذه الغزارة أصابت مصلح بخوف شديد من أن يؤدي ذلك إلى وفاتها " كنت موقنا من أن ذلك قد يحدث، فكمية الدماء كانت غزيرة لم أرَ في حياتي قط مثلها، تم نقلها إلى مستشفى، الصفوة لتلقى العلاج، دون أن أذهب معهم بحكم كبر سني، لكن قذيفة الموت التي أرسلتها مليشيا الإجرام كانت سباقة إلى أخذ روحها.

 

يقول الحاج مصلح وهو يبلع مرارة الكارثة التي حلت به، مرت الساعات التي تم فيها إسعافها كأنها عام كامل. كان القلق والخوف لا يفارقني كنت أتمنى عودتها بأقرب وقت ممكن، لكن أمنياتي خيبتها مكالمة هاتفية تلقاها أحدهم ممن كانوا بجانبي من شخص كان ضمن المسعفين.. "عظم الله أجر الحاج مصلح لقد توفيت زوجته".

 

كان ذلك الاتصال أشبه بصاعقة رعدية نزلت عليه فدمرت ما تبقى لديه من أمل بكى طويلا لكن البكاء كما يقول لا يجدي نفعا في إعادة من فقدته في الحال ".

 

اشتدت عمليات القصف وأجبرنا على الدخول إلى المنزل، واستمر حتى ظهيرة اليوم التالي.

 

ولأن ثلاجة المستشفى تعج بالموتي فقد كان الطاقم الطبي يسلم جثث الموتى لذويهم كي يتم دفنهم لإتاحة المجال لاستقبال جثث أخرى.   

 

يضيف عندما عاد الجيران في ظهيرة اليوم الثاني أخبروني أنهم قاموا بدفنها من دون أن تتاح لي فرصة إلقاء النظرة الأخيرة عليها إنها مأساة إضافية للكارثة التي حلت بي.

 

مصلح إبراهيم وهو من الفئات المهمشة يعيش في منزله اليوم وحيدا، فقد كانت زوجته تمثل بالنسبة له كل أسرته، لكن قذيفة الموت التي أرسلتها مليشيا الإجرام دمرت كل حياته وحولتها إلى جحيم، يضيف "أتمنى اليوم أن يقبض الله روحي فلم أعد أطيق الحياة بدونها بعد أن بقيت وحيدا في هذه الحياة ولا أجد يؤنس وحشتي".

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية