تحية لكل اليمنيين في اليوم الوطني الثاني والثلاثين للجمهورية اليمنية .. نعم، هو اليوم الوطني، وسيظل يوما وطنيا لليمن واليمنيين.
 
لقد اتفقت سلطتا الجنوب والشمال في شهر أبريل عام 1990 أن يكون يوم إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو يوما وطنيا لليمن الموحد، بعد أن كان يوم 14 أكتوبر يوما وطنيا لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، و26 سبتمبر يوما وطنيا للجمهورية العربية اليمنية.. هذا أمر له دلالة لا تحتاج إلى تفسير.
 
هذه السنة يتفرد اليوم الوطني بوجود سلطة جديدة تتمثل في مجلس القيادة الرئاسي المكون من أربعة قادة شماليين وأربعة قادة جنوبيين، وهذه هي المرة الأولى منذ العام 2011 التي يعود لليوم الوطني قيمته الأصيلة، وقد أضفى وجود المجلس الانتقالي الجنوبي مزية إلى هذه القيمة، بعد أن صار جزءاً أساسياً من السلطة الشرعية الجديدة في اليمن.
 
لم يبق سوى جماعة سياسية واحدة فقط تجهد ليلا ونهارا من أجل تكريس الانفصال، مدفوعة بمحفزات ثقافية- مذهبية، ودوافع خارجية شبيهة بالمحفزات والدوافع التي جعلت الإمام يحيى حميد الدين يخضع للإرادة الاستعمارية البريطانية عام 1934، ويرتهن قبل ذلك للمحتلين الأتراك- العثمانيين الذين أبرم معهم اتفاق دعان المخزي عام 1911.
 
الحري بنا في هذه المناسبة الوطنية التذكير بأنه يحسب للرئيس السابق عبد ربه منصور هادي أنه منذ تولى الرئاسة في العام 2012، إلى أن سلم السلطة لمجلس القيادة الرئاسي في أبريل الماضي، بقي متمسكا بوحدة اليمن على خطى سلفه الرئيس الخالد علي عبد الله صالح.. لقد قال ذات مرة إنه لن يسمح بتجزئة اليمن في عهده، على الرغم من أن نزوعه الشديد إلى يمن اتحادي من ستة أقاليم قد فتح شهية الانعزاليين، وهدد وحدة اليمن لبعض الوقت.. على أن مشروع اليمن الاتحادي قابل للحياة على الأرض، وما يزال من بين الخيارات المتاحة، بعد سد الثغرات التي عرضت لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وشقت طريقها إلى مشروع مسودة الدستور.
 
إن الحديث عن الوحدة اليمنية ليس حديث عواطف من بنات اللحظة الآنية، ولا هو استحضار لذكريات طيبة، بل حديث ينم عن إيمان راسخ بوحدة اليمن إنسانا وأرضا.. إن التاريخ يقول ذلك، وهو أصدق شاهد، فتاريخ اليمن القديم والإسلامي والوسيط والحديث والمعاصر يتضمن حقيقة كبيرة هي أسطع من ضوء الشمس، وهي أن اليمن كان واحدا موحدا.. هذه الحقيقة يصعب إنكارها أو حجبها.
 
إن تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب، حدث للمرة الأولى في مارس عام 1914 الذي اتفقت فيه قوتان استعماريتان على تعيين نصيب كل منهما من الأرض اليمنية.. ففي ذلك الوقت وقعت بريطانيا والدولة العثمانية اتفاقية تم بموجبها تعيين المناطق اليمنية التي تخضع للحماية البريطانية (المحميات ) في الجنوب، وتلك المناطق التي تخضع للحماية العثمانية في الشمال.. لقد كانت تلك الاتفاقية أساس تقسيم اليمن إلى قسمين، أو إلى شطرين، أحدهما شمالي والثاني جنوبي.. وسوى ذلك، فإنه على الرغم من الصراع الذي كان يحدث بين الحكام المحليين في المرحلة التي شاهدت اليمن فيها عددا من الدويلات أو الولايات المستقلة، أو شبه المستقلة، كان كل طرف من أطراف الصراع يؤكد وحدة الأرض اليمنية.. وفي مرحلة لاحقة ابتكرت الإدارة الاستعمارية البريطانية في عدن مشروع دولة الجنوب العربي، فأسقط المناضلون اليمنيون الجنوبيون هذا المشروع الذي مات موتا نهائيا باستقلال الجنوب في نوفمبر عام 1967.
 
لقد انتهت مفاوضات جنيف التي تمت بين وفد الجنوب اليمني المحتل وممثلي الاحتلال البريطاني إلى إعلان استقلال جنوب اليمن، وأن تسمى الدولة المستقلة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.
 
تعرض النظام الجمهوري في صنعاء لتهديد خطر من قبل القوى الملكية بعد ثورة سبتمبر1962، فجاء لبوزة ومئات من أضرابه من أرياف ومدن الجنوب اليمني المحتل يدافعون عن النظام الجمهوري، وأبلى ابن الوهط المثقف الفذ عمر الجاوي ورفاقه الجنوبيون أقوى بلاء في صنعاء وفي حرض وفي حجة وفي الجوف، واستشهد بعض منهم في عملية خيانة بنقيل يسلح قبل أن يصلوا صنعاء.
 

القائد الأول لجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل قحطان الشعبي، عين بعد ثورة سبتمبر وزير دولة في صنعاء لتنسيق عمليات الدعم لثوار 14 أكتوبر.. شماليون مثل عبد الفتاح إسماعيل، وراشد محمد ثابت، وغيرهما كانوا في مقدمة مناضلي الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني..  بل إن كادحا بسيطا مثل مهيوب علي غالب الشرعبي (اسمه الحركي عبود) أبلى حتى استحق أن يكون مسئول العمليات العسكرية في الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني، وقد استشهد يوم 11 فبراير1967 عندما قنصه قانص بريطاني في مدينة الشيخ عثمان، فأطلقت حكومة الاستقلال اسمه على موقع عسكري في عدن تخليدا لذكراه، كما أن حكومة الاستقلال اتخذت من يوم استشهاده يوما وطنيا للاحتفاء السنوي بالشهداء.
 

وعندما كان النظامان في صنعاء وعدن يتصارعان، كان صراعهما يدور داخل مضمار الصراع على الوحدة.. تبنت حكومة صنعاء موقفا رجعيا معاديا، تجاه حكومة الاستقلال في الجنوب، بذريعة عدم الانضمام لحكومة موحدة في صنعاء، وتبنت المعارضة الجنوبية ودعمتها ضد النظام اليساري في عدن، وبالمقابل احتضنت حكومة عدن معارضي حكومة صنعاء، وكان المبرر هو تحقيق الوحدة اليمنية.
اشتبك النظامان في نزاعين مسلحين داميين، أحدهما عام1972وآخرهما عام 1979 وكان كل منهم يستحضر دواعي تحقيق الوحدة اليمنية ويبر بها حربه.. وانتهى بهما الأمر عام 1990 إلى اقتناع بضرورة تحقيق الوحدة بين شطري اليمن، ومنذ ذلك الحين إلى العام 2011 شاهدت اليمن أفضل تجاربها، على المستوى السياسي(ديمقراطية وتعدد أحزاب)، وعلى المستويين الاجتماعي والاقتصادي بما يغني عن الشرح. 
 
على أنه ينبغي تسجيل ملاحظة مهمة في هذا المقام، وهي أن بعض الرجال والنساء مروا بتجارب شخصية مؤلمة، عبرت عن نفسها من خلال مواقف لا تخلو من نزق، حيث قذفوا الوحدة اليمنية، وحملوها أخطاء وقع فيها بشر من الجنوب والشمال، وبلغ هذا النزق ذروته، بانكار وجود دولة على الخريطة التاريخية للدول، تسمى اليمن، وقالوا إن اليمن ليس سوى جهة، وهذه الجهة هي يمين الكعبة! واسقطوا من حسابهم أن اليمن وجدت بهذا الاسم منذ أقدم العصور التي سبقت الديانات الإبراهيمية، إلا أن تلك كانت حالات طارئة لحسن الحظ، إذ أن أولئك النزقين كانوا وما يزالون وحدويون طول الوقت، ومن حسن الحظ أيضا أن تأثير أصواتهم في المواطنين كان ضعيفا، كما يظهر من خلال اليقظة الجنوبية هذه الأيام .
 
إن اليمنيين- وهم يحتفلون بالذرى السنوية الثانية والثلاثين- يتطلعون إلى استئناف حياتهم الطبيعية، في أجواء يسود فيها السلام والأمن والاستقرار والحرية وصون حقوق الإنسان، وضمان حق المواطن في الحصول على الخدمات الأساسية وفرص العمل واحترام الملكية الخاصة وكفالة حق اليمني في التنقل والسفر.
 
هذه هي القضايا التي يرون وضعها على رأس قائمة أولويات مجلس القيادة الرئاسي، ويعتقدون أنه جدير بذلك، على الرغم من التحديات الكبيرة التي تنتصب أمامه، وفي مقدمتها التحديات الثلاث البارزة الآن: أولاهما عدم إذعان الجماعة الحوثية للسلام، وثانيها الأزمة الاقتصادية والمالية، وثالثة الأثافي وهي الجماعات الإرهابية.

 

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية