منذُ سنوات، استخدمَ الحوثيون سياسة "الاستقطاب من الداخل" وسيلةً لتجنيد خلايا ومُخبرين في المناطق التي اُنتزعت منهم؛ وبدأوا يفكرون مليًا في كيفية إنعاش الفوضى وخلق أسبابها في تلك المناطق المحررة بما يضع المناطق الخاضعة لسيطرتهم في كفةٍ راجحةٍ عند مقارنة هذه بتلك، وكذا إحداث حالة من الاضطراب والانقسام والتفكك، تكون عصيّةٍ عن الحل في المعسكر المناهض لهم.
 
من خلال الاستعانة بخبرات من الحرس الثوري الإيراني وأخرى من حزب الله اللبناني، بدأ الحوثيون عملية استقطاب واسعة طالت حتى الساحل الغربي؛ بمعنى أدق كان الساحل هدفًا أساسيًا في هذا الاستقطاب، والهدف بناء شبكات سرية منظمة مستقلة عن بعضها البعض لتقليل مستوى الاشتباه بها حتى تقوم بأدوار مزعزعة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة؛ لكنهم على ما يبدو تعثروا في اختراق "شيفرة" الساحل الغربي، والمعنى هنا مجازي يُستدل به عادةً على القدرة الفائقة لأنظمة الحماية في تأمين البيانات وتعطيل الهجمات السيبرانية.
 
تركزت تصوّرات الحوثيين في بناء شبكات المُخبرين والخلايا المنظمة على الكيفية التي يمكن من خلالها تشكيل خلايا منسجمة مع المجتمع المحلي، وهذا يعني استقطاب سكان محليين من المناطق الساحلية وتقديم الإغراءات لهم، ثم تجميعهم في خلايا منوطٌ بها تنفيذ مهام معينة من بينها أنشطة تهريب أسلحة من إيران، وزرع عبوات ناسفة، والتجسس على القوات المشتركة، وكذا تنفيذ عمليات تقطع ونهب؛ كما أن المليشيا المدعومة من إيران لم تتردد في استقطاب آخرين من خارج المناطق الساحلية على أن يكونوا متواجدين فيها.
 
مؤخرًا، أعلن الإعلام العسكري للقوات المشتركة في الساحل الغربي الإطاحة بـ7 خلايا تابعة للحوثيين ومرتبطة بعضها، وخصوصًا خلايا التهريب البحري، بالحرس الثوري الإيراني تتكون من 35 عنصرًا كُلفت بمهام "تهريب بحري، وتجسس، وتخابر، وأخرى مكلفة بتنفيذ مهام إرهابية"؛ وحتى اليوم جرى الكشف تفصيليًا عن خليتين من هذه الخلايا، كانتا مختصتان بتهريب الأسلحة الإيرانية إلى مليشيا الحوثي؛ وهو ثاني إنجاز نوعي خلال أقل من شهر بعد الإطاحة بخلية نهب وتقطع مرتبطة بجهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين أواخر يوليو الماضي.
 
في الواقع، يلعب عنصرا الكفاءة والتجربة دورًا محوريًا بالنسبة لاستخبارات المقاومة الوطنية في تطوير قدرات إسقاط مخططات الحوثيين على نحو ناجز بقدر كبير من السرية والتتبع الدقيق المتعارف عليه في العمل الاستخباراتي، فرصيدُ هذا الجهاز الأمني حافل بالإنجازات، واستطاع في السنوات الماضية إحباط مخططات الحوثيين وتحصين الساحل بصورة فاعلة.
 
دورُ استخبارات المقاومة الوطنية تلازم في الوقت نفسه مع نمو غير مسبوق في الحاضنة الشعبية للقوات المشتركة في الساحل الغربي، ولتعزيز عوامل الثقة داخل المجتمع كان لا بد من تقديم نماذج رائدة في مواجهة محاولات الاختراق الحوثية، ولعل الإنجاز المبهر في إسقاط 7 خلايا بشكل متتابع مثّل أحدث دليل على الكفاءة المتقدمة واليقظة التي تتمتع بها استخبارات المقاومة الوطنية كجهاز رديف للمنظومة الأمنية بالساحل الغربي. 
 
في تحليل الواقع، سيتبين لنا أن القوات المشتركة تقف أمام ثنائية متجانسة ومُهمة: المواجهة والتحصين، تحصين الداخل من محاولات الاختراق المستمرة، والتحضير لمواجهة أي احتمالات مستقبلية، إضافة إلى أطروحة على جانب كبير من الأهمية يُطلق عليها "الحاضنة الشعبية"، والمُلاحَظ أنها- أي الحاضنة- في طور النمو المستمر اعتمادًا على النموذج المهذب الذي تقدمه القوات المشتركة في مؤازرة السلطات وعدم التدخل في غير اختصاصها العسكري والأمني.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية