مِن ذبح غنم صغير، عمره عشرة أيام فقط، وأخذ الكرش ووضعه في صحن خاص وخلطه بحليب الغنم وتركه يومًا حتى يجف ثم نقله لصحن آخر وتجفيفه على دخان حتى يصل إلى درجة الاحمرار، إلى أن يتم إخراجه ليصبح جبنة لذة للآكلين على موائد الكفاف لأسر في مخيمات نزوح بمديرية موزع التابعة لمحافظة تعز، جنوب غرب اليمن.
 
صناعة منزلية حملها معهم نازحون من بطش مليشيا الحوثي في مناطق واقعة تحت سيطرتها بالمحافظة، إلى مناطق أخرى محررة آمنة؛ ليستعينوا بها على شظف العيش في مواقع النزوح، بعد أن خلفوا وراءهم مصادر دخلهم، ونفقت الكثير من أغنامهم وباعوا بعضها. 
 
في منتصف العام 2017م وصل النازح أحمد سالم، البالغ من العمر 75 عامًا إلى منطقة الغلة السفلى التابعة لعزلة العوشقي بمديرية موزع، قادمًا من مديرية مقبنة في ذات المحافظة؛ هربًا من تناثر القذائف الحوثية على المنطقة تاركًا أرضه الزراعية، فيما هلك الكثير من ثروته الحيوانية إبان قدومه إلى مخيم النزوح بموزع. 
 
يقول سالم في حديثه لـ"2 ديسمبر" إنه وصل موطن النزوح في وضع مادي ونفسي صعب برفقة العشرات من النازحين، واتخذوا من الأشجار سكنًا لهم ولأطفالهم وحيواناتهم، ولم يكن أمامهم في تلك الأثناء إلا التشبث بما تبقى لهم من أغنام. 
 
ويُعد أحمد سالم من أقدم صانعي الجُبن البلدي حيث بدأ المهنة صغيرًا.
 
ويصف حال صناعة الجبن منذ نزوحه بقوله إنه يختلف عما كان عليه في السابق، حيث كان لديه الكثير من الأغنام ما مكنه من إنتاج كميات لا بأس بها من الجبن لبيعه في الأسواق، مشيرًا إلى أن الصناعة المنزلية للجبن هي مهنته الوحيدة منذ أكثر من أربعين عامًا، لكن نفوق أغنامه وبقاء خمس منها فقط أجبره على حصر مهنته في الاستهلاك الأسري بمخيم النزوح، وعدم الاستفادة منها كمصدر دخل. 
 
من جانبه، يقول النازح في ذات المخيم، عمر زيد، إن نفوق الأغنام والجفاف يقف وراء تراجع حجم إنتاج الجبن العوشقي في المخيم ناهيك عن اضطرار النازحين هناك لبيع جزء من ثروتهم الحيوانية لتوفير المتطلبات الأساسية. 
 
ويضيف أن أفضل إنتاجٍ للجبن يكون خلال موسم الأمطار حيث تكثر مراعي الأغنام ومعها يكثر الإنتاج، ويحقق صانعو الجبن، وخاصة الباعة منهم، مردودًا مرضيًا.
 
ويقدَّر عدد النازحين القادمين من مقبنة والمعافر إلى موزع بزهاء 2000 نازح يتوزعون على 14 مخيمًا، منها 11 في عزلة العوشقي ومخيمان في عزلة الأهموم، ويحتضن مركز المديرية مخيمًا واحدًا. 
 
وبحسب رئيس الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين في مديرية موزع، صالح الروضي؛ فإن صناعة الجبن سر مهنة لا يمتاز بها إلا هؤلاء النازحون، وله مذاق لا يقارن ويعمل به حاليًا العديد من النازحين في المخيمات رغم تأثرهم بالحرب المفروضة من قبل مليشيات الحوثي وفقدان العديد من مصادر دخلهم، ومنها صناعة الجبن التي هي الأخرى تأثرت بسبب نفوق الأغنام والجفاف في أماكن النزوح. 
 
وإذ شكر جهود الخلية الإنسانية في المقاومة الوطنية على دعمها للنازحين بالسلال الغذائية وعدد من المبادرات الإنسانية الأخرى مثل إفطار الصائم وكسوة العيد والأضاحيج؛ طالب الروضي المنظمات والجهات الخيرية بالعمل على دعم النازحين في المخيمات، حيث يعيشون أوضاعًا اقتصادية صعبة ويعتمدون بدرجة أساسية على صناعة الفحم والجبن والعزف، للعيش في ظل هذه الظروف الاستثنائية.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية