وسط أوضاع معيشية صعبة ومزرية، وجد المعلمون أنفسهم عالقين بين متطلبات أسرية كثيرة وأسعار ترتفع كل يوم، وبين راتب لا يسد الحد الأدنى من الاحتياجات، مما اضطر البعض منهم إلى ترك وظيفتهم في المدارس والبحث عن أعمال بديلة لإعالة أسرهم وتوفير ما أمكن من المتطلبات المعيشية.
 
التربوي فضل زامط، واحد من آلاف المعلمين الذين أجبرتهم الظروف المعيشية على امتهان وظائف أخرى. فمع تدهور الوضع الاقتصادي للعائلة في مقابل الارتفاع الكبير لأسعار المواد الغذائية نتيجة هبوط قيمة العملة الوطنية صار راتب زامط لا يتجاوز 50 دولاراً، ولا يفي بالحد الأدنى من الاحتياجات، فقرر مزاولة مهنة الزراعة.
 
مشروع زراعي 
 
لم يكن التربوي زامط يفكر بالعمل في الزراعة، لكن نصيحة أحد زملائه الذي سبقه في نفس التجربة جعلته يدرس المشروع بجدية، وكان لكبير وجهاء المنطقة دور مهم في تشجيعه ودعمه لخوض التجربة، حتى صار أول معلم يتجه إلى زراعة العنب في منطقة الخبل بالشمايتين محافظة تعز. 
 
يقول فضل زامط، في حديثه لـ"2 ديسمبر"، بدأت المشروع بزراعة مشتل طويل يحوي ثلاثة آلاف شجرة عنب وعملت طوال العام في رعايته والاهتمام به، إلا أنه اتضح فيما بعد أن ما يقارب من 2200 شجرة من النوع الذكر، ولم يتبقى سوى 800 شجرة ذات جدوى. 
 
صار زامط يمتلك مشروعه الخاص، ويبذل كل جهده للعناية به، ومع الصباح الباكر يبدأ العمل في السقي ومكافحة الآفات والعناية بالتربة وصولاً إلى الحصاد والتسويق والبيع لأهالي المنطقة أو للسوق.
 
ويشعر بسعادة كبيرة وهو يرى ثمرة جهده تتجسد في عناقيد العنب المتدلية في المزرعة، وبإيرادات مبيعات المحصول التي تتراوح ما بين 20 ألفاً إلى ما يزيد عن 100 ألف ريال يومياً، مما جعله يفكر في توسعة المشروع وزيادة المساحة المزروعة لتحقيق مردود أفضل. 
 
اكتفاء ذاتي
 
المعلم محمد سيف، 60 عاماً، لديه تسعة من الأولاد ولا يكفي راتبه الذي لا يتجاوز 90 ألف ريال لإعالتهم، وتوفير حياة مناسبة لهم، فاضطر هو الآخر للتوجه إلى الزراعة. 
 
يقضي سيف أغلب ساعات يومه في مزرعته التي غرسها بأشجار المانجو والموز والعنب والطماطم وأنواع أخرى لتحقق له بعض الاكتفاء الذاتي.
 
يقول سيف لـ"2 ديسمبر"، لم أعد للزراعة للحصول على عائد مالي ولكن لتوفير بعض احتياجات المنزل التي أعجز عن شرائها بسبب ارتفاع أسعارها وتضاؤل قيمة الراتب.
 
وأضاف، إن مشاتله الزراعية يتم سقيها من أحد الأنهار الجارية دون الحاجة لبئر ومضخة، وهو ما سهل عليه فكرة خوض هذه التجربة الزراعية بدلاً من تحمل أعباء شراء الخضروات من السوق وبأثمان تفوق قدرته. 
 
حلم لم يتحقق 
 
ناصر غازي، معلم مادة اللغة العربية في مدرسة التربة بالمضاربة تخرج من الجامعة في العام 1998 كان الحصول على الوظيفة أكبر أحلامه وأمانيه، على أمل أن توفر له الاستقرار المعيشي وبناء أسرة لا تحتاج إلى دعم أحد.
 
يقول غازي لـ"2 ديسمبر"، بدأت حياتي التعليمية بفرحة كبيرة وبنشاط غير عادي وطموحات عالية، إلا أنه بعد سنوات من عملي توقف راتبي عند 40 ألف ريال فقط، أسلمه كاملاً لمالك البقالة الذي أستدين منه بعض المستلزمات الضرورية.
 
لدى غازي عشرة من الأبناء ويحتاج الإنفاق عليهم إلى أضعاف راتبه مما جعله يقوم بتربية المواشي وبيعها لسد احتياجات عجز عن توفيرها براتبه.
 
يضيف غازي: "مع كثرة المتطلبات الأسرية، وتدهور أوضاع البلاد منذ 2011 وخاصة بعد الحرب 2015، أبلغت مدير المدرسة برغبتي في البحث عن عمل، وقامت المدرسة بالبحث عن بديل مقابل جزء من الراتب، واضطررت للعمل اليدوي في مصانع البلك أو الرعي وهو يحقق لي مردوداً أفضل من الراتب في قطاع التعليم". 
 
ودعا غازي الجهات المسؤولة في الحكومة إلى العمل على تحسين أوضاع المعلمين وتنفيذ إجراءات تحقق لهم الاستقرار المعيشي حتى تستقر العملية التعليمية ويعودوا للتعليم في المدارس.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية