الإيرانيون يشعرون بأن العالم يغدر بهم في كل لحظة لا يقف فيها موحدا ضد نظام ليس من منطلقاته الثورية أن يكون إنسانيا. كل المفاهيم الإنسانية غائبة في إيران.
 
لن يتراجع النظام الإيراني أمام الحريات العامة. إن قام بذلك وتراجع سيسقط. فالثورة الإسلامية قائمة أصلا على مبدأ كبت الحريات العامة وقمعها وبالأخص ما يتعلق منها بالتفكير والتعبير عن الأفكار الشخصية ذلك لأن فكرا شموليا مطلقا هو الذي يحكم الدولة والمجتمع. وما من شيء اسمه حقوق الإنسان بالنسبة إلى معمّمي قم وطهران. وهناك لائحة للسلوك غير مسموح باختراقها ولباس المرأة يحتل الفقرة الأولى فيها. لن تكون الفتاة الكردية مهسا أميني هي آخر الفتيات اللواتي يقتلن في معركة لباس المرأة أو ما يسمى بالحجاب. فالنظام الإيراني سيتخلى عن الثورة الخمينية لو أنه تساهل في مسألة الحجاب.
الإيرانيون يعرفون ذلك. يعرفون أن الحوار في مسألة الحجاب عقيم ولا جدوى منه. ويعرفون أيضا أن كلمة هادئة منهم لن تصل إلى رأس النظام، مرشده الأعلى علي خامنئي. لذلك اختاروا أن يركبوا العاصفة في محاولة منهم للفت أنظار العالم إلى ما يجري داخل إيران من انتهاكات لحقوق الإنسان وتغييب كامل للحريات. ولكنهم في الوقت نفسه يدركون أن العالم، شرقه وغربه يلعب معهم لعبة قذرة ولأسباب مختلفة ومتباينة في نفعيتها.
 
ليست روسيا والصين محل ثقة بالنسبة إلى الإيرانيين. فالدولتان العظيمتان تتحجّجان بالتصدي لأطماع الولايات المتحدة ودول الغرب من حولها في احتضانهما للنظام الإيراني وهما تعرفان حقيقته والمادة التي تشكل كيانه المتخلف. أما دول الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة فإنها بالرغم من دعايتها المضادة لإيران لا ترغب فعلا في سقوط نظامها وطي صفحة الولي الفقيه وإنهاء عذابات الشعوب الإيرانية.
هناك نفع مؤكد من استمرار بقاء ذلك النظام في المنطقة بالرغم من أنه يشكل خطرا حقيقيا على حلفاء الولايات المتحدة وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية وإسرائيل. خطر تعبر عنه سياسات إيران في المنطقة والتي نجحت من خلالها في احتلال ثلاث دول فيها وخلخلة أمنها واستقرارها ونشر الفوضى التي لا يمكن أن تنتهي إلا عن طريق إزالة النظام الإيراني بالقوة.
الاحتجاجات الشعبية الإيرانية هي مناسبة تعلن الشعوب الإيرانية من خلالها عن غضبها على العالم الذي وجد في نظام الملالي المتخلف فرصة للتعبير عن خلافاته التي لن يستفيد منها الإيرانيون بقدر ما يستفيد منها ذلك النظام الذي أدرك أنه يقوى على القيام بأشياء تناقض القانون الدولي.
أولا لأن هناك دولا كبرى تدعمه وتقف وراء مشاريع تسليحه. تلك دول لا ترى في تسلح النظام الإيراني خطرا على مصالحها.
وثانيا لأن هناك دولا كبرى تشجع إيران على المضي قدما في سباق التسلح انطلاقا من نظرية التسلح التقليدي الفائض التي كانت وراء تفكك الاتحاد السوفييتي وانهياره. فالنظام الإيراني يقدم الإنفاق على آلته العسكرية على كل شيء. دولة قوية عسكريا غير أنها متخلفة على كل الأصعدة.
في الحالين فإن الإيرانيين يشعرون بأن العالم يغدر بهم في كل لحظة لا يقف فيها موحدا ضد نظام ليس من منطلقاته الثورية أن يكون إنسانيا. كل المفاهيم الإنسانية غائبة في إيران.
لا يتوقع الإيرانيون أنهم سيسقطون من خلال احتجاجاتهم نظاما يدعمه العالم ولكنهم يريدون أن يقدموا
صورتهم الحقيقية من أجل أن يراها العالم الذي يرفض أن ينظر بعيني إنسانيته التي يفاخر بها ويعتبرها من أعظم إنجازاته. تحدي العالم هي الفكرة التي قدمتها الشعوب الإيرانية جاهزة لكي تُرى وتكون حاضرة دائما في إعلامه. وسواء اهتم العالم أم لم يهتم بذلك فإنها قالت كلمتها التي سيحفظها التاريخ.
حتى اللحظة لا يعترف العالم أن هناك مسألة إيرانية. مسألة تتعلق بصراع المجتمع المدني مع النظام الديني الحاكم. يفضل العالم بشقيه أن يكون النظام الحاكم دينيا وهو ما يعني أن الحريات ستبقى مغيبة. وليس الحجاب سوى مفردة واحدة في صراع سيكون طويلا.
قتال الشعوب الإيرانية من أجل حرياتها طويل ومعقد لأنه يتداخل مع قضايا دولية ليس في الإمكان حلها بيسر وفي وقت قياسي. لذلك فإن الاحتجاجات ستستمر رغم القمع الذي يواجهها.
وفي الوقت الذي تزعم فيه إيران بأن جهات خارجية تقف وراء تلك الاحتجاجات وتكرر وقوعها في مناسبات أخرى تدرك الشعوب الإيرانية أن تلك الجهات هي التي تدعم النظام وتقويه وتغذي أفكاره الظلامية بالمزيد من الدعايات التي تُظهره قويا وصلبا.
معادلة من الصعب الإمساك بعناصرها غير أنها تمثل واقعا لا يزال يحكم المنطقة كلها.
 
صحيفة العرب

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية