اتهامُ الحوثيين المدعومين من إيران بالتعجّل نحو تفجير الحرب من جديد وسد آخر ما بقي من بواتق يمكن من خلالها ضخ جهود سلام إضافية، ليس تسطيحًا لمجريات الأمور، ولا تجنيًا مقصودًا منفصلًا عن الواقع وحيثياته؛ بل حقيقة مضبوطة بسلسلة من الأسانيد والحقائق والمؤشرات المفهومة دون الحاجة لمستوى عالٍ من الفصاحة والمحاجاة.
 
منذ يومين، أعلن الحوثيون، دون تحفّظ، البدء بتشكيل لواء عسكري جديد في مديرية الدريهمي أطلقوا عليه "الصمود"، ولا يمكن فهم هذا التجاسر المُنتهك لاتفاق ستوكهولم، إلا في سياقه الدقيق ومقاصده الدفينة والمعلنة بالشكل الذي يقدم لنا إشارات واضحة تنبئ بأن الجماعة الإرهابية المدعومة إيرانيًا لا تتورع عن فعل كل ما يمس مسار السلام المحفوف بالمخاطر.
 
مثل هذا التجاوز، مضافٌ إليه حالة التحشيد المستمرة في الحديدة؛ يدفعنا للتساؤل عن نوايا الحوثيين، وإن كان هذا السؤال واضحًا ولا يتطلب تفنيدًا موسّعًا، إلا أنه يقودنا لفهم الكيفية التي يتعاطى بها الحوثيون مع مسائل السلام، التي عادةً ما تتشكل بطريقة عجيبة "العبور من طريق التهدئة للوصول إلى حافة الحرب"؛ بيد أن هذه الحرب، إن تجدد اندلاعها، لن يتباطأ الحوثيون لطلب هدنة جديدة كما هو دأبهم عند كل هزيمة تعمق جراح خسائرهم النازفة.
 
كان اتفاق ستوكهولم أول بوارق الأمل، ثم أكثرها خيبة، في لحظة كاد الحوثيون يُسحقون في أكثر المواضع أهمية على البحر الأحمر في أوسع تقدمٍ عسكري مباغت للقوات المشتركة، أُلقي الاتفاق من علٍ بمثابة صخرة أُسقطت لتعطيل مسار موكب التحرير؛ فُهم الأمرُ في البداية بحسن نية، وتم التعامل معه على هذا الأساس، ثم مع الأيام تكشفت الغوامض وأصبح الإتفاق بمثابة الطعنة التي أدمت اليمنيين التواقين للخلاص من مشروع إيران في اليمن.
 
مع تحوّل الاتفاق "الجاد"- كما عُبِّر عنه في مضامينه وضمانته- إلى اتفاقٍ هش وغير مجدٍ استخدمه الحوثيون مركب نجاةٍ في رمقهم الأخير بالحديدة في مواجهة عاصفة عاتية قادمة من الريف الجنوبي للمحافظة الساحلية تطرق أبوابها الشرقية، وجدت القوات المشتركة أن تنفيذ الاتفاق من جانبها فرصةً لها منفعتان؛ الأولى تعرية الحوثيين وفضح مآربهم وترك المسؤولية ملقاة على عاتق الأمم المتحدة، والثانية استخدام القوة المجمدة على طول المناطق المحكومة بالاتفاق في مناطق أخرى، كما حدث في حيس وشبوة حيث جاءت المكاسب العسكرية مؤزّرة.
 
معلومٌ أن الحوثيين لن يغيروا من سياستهم المعادية تحت أي دافع- عدا في الحالات المتعلقة بدوافعهم المراوغة- إلا بدافع القوة الذي اختصرت من خلاله القوى الوطنية سلاسل الحلول المطوّلة بعمليات خاطفة أجبرت الحوثيين في أكثر من مرة على التعجّل في الذهاب لطرق أبواب الأمم المتحدة طلبًا للسلام؛ لكن افتقاد الحوثيين للصدقيّة وارتباطهم الوثيق بمشروع خارجي يحركهم طبقًا للأجندة، مع انتفاء المسؤولية الدولية في إجبارهم على هذا الانخراط في السلام؛ يطيل أمد الأزمة ويقدم خيارات الحسم على أساليب المهادنة والتفاوض العقيم.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية