بهذا العنوان الطويل نسبياً، يمكن توصيف الحالة التي تبدو عليها مدينة تعز المحاصرة منذ سنوات بشكل قسري تجاوز كل أعراف الحروب ودساتير الصراعات من قِبل فئة عنصرية متفننة في إتقان الإجرام والطغيان، لكن تناست تلك الفئة أن الأرض وحدها التي تُحاصر أما العقل فيبقى حراً، ومن المحال السيطرة عليه وكبح جماحه وتسخيره وفقاً لرغبة العدو أو استلاب قدراته في الإبداع، وتطويق مساراته في التميز، وهذا الأمر ينطبق فعلياً على تعز المحاصرة، لكنها الفاتنة أيضاً والعصامية والولادة للمواهب والمكتنزة بالمبدعين كحقيقة لا ينكرها إلا جاحد أو أعمى البصيرة.
 
في زمن وجيز أقصاه "ستة أشهر" مثلاً، تشهد تعز، بعقليتها الراسخة وأفقها الرحب، تغيرات ملموسة وانبعاثاً مستمراً لتباشير فجر الانتصار وانكسار طوق الحصار رويداً رويداً، كحصاد أبناء هذه المدينة أكثر من عشر جوائز إقليمية ودولية في مجالات مختلفة وظفرهم بمراكز مرموقة أثارت دهشة الداخل والخارج، وانحنت اليمن من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها إجلالاً وإكباراً لهذا التميز المنبثق من قلب الحصار والتجويع برسوخ وشموخ وتجاوز لكل الصعاب وتمثيل اليمن في المحافل الدولية وإثبات حضوره في خارطة العالم العربي والدولي.
 
سياسياً: بدأ التقارب بين العميد طارق صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي- قائد المقاومة الوطنية ورئيس مكتبها السياسي في الساحل الغربي، مع القوى السياسية والعسكرية في المحافظة خلال المدة السابقة، وتتويج هذا التقارب بزيارة العميد إلى مدينة تعز، والتي مثلت تميزاً ودهشة في التفاهم والتصالح، وإذابة لجسور الخلاف والممانعة وترسيخاً لغد مشرق يتعاضد فيه السائرون في درب استعادة الوطن وبناء دولة طامحة بتخفيف المعاناة وتقديم مشاريع خدمية بمقدورها بعثرة واختراق فجور الحصار الحوثي للمدينة، وقد أثار هذا التقارب هلع المتحجرين في رؤيتهم للعمل السياسي المتصحر، بعيداً عن معطيات الواقع واحتياجات اللحظة وتداعياتها؛ لكن الوعي السياسي الخلاق، والعقلية الفاعلة التي لا ترتهن إلا لهموم الناس دون أي ميول متعجرفة هي من تدرك مصلحتها وتعمل وفق رؤى ثاقبة تمكنها من التعاطي مع القضايا المصيرية.
 
 وأولى بشائر فك الحصار وصول  مقطورات الغاز إلى مدينة تعز عبر طريق فك الحصار حديث الشق والتعبيد" المخا - الكدحة- البيرين" أحد مشاريع العميد طارق صالح بعد انقطاع الطريق منذ ثماني سنوات، وهذا الأمر أشعل فرحة لا توصف لدى أهالي المدينة الذين أنهكهم الحصار ومزق سكينتهم.
 
ما أرمي إليه هنا، أن تعز نموذج فعال لدينامية التفكير والإبداع، منيعة تأبى السقوط والتبلد، ولديها المناعة اللازمة للحؤول دون الاستسلام والوقوع في الهزيمة، ليس لكونها متفردة عنصرياً باختزالها مكامن الفطنة والذكاء؛ وإنما لأنها تتبنى تفكيراً نشطاً وليونة في الوعي بأفق رحب وعقل جامح وإرادة حالمة ببلوغ المجد وإنارة أعمدته بنور البصيرة والتأمل وبُعدها عن التنميط والتأطير والتصلب، فتستعصي قولبتها أو تجميد خيالاتها، فرغم إطباق الحصار لحواضرها إلا أن عقلها يبدع وقلبها ينبض وخيالها يطمح يوماً بعد آخر.
 
وقد يخيل إلى البعض أن هذا الاعتراف فيه نبرة عنصرية وتضخم في الذات التعزية؛ لكن التاريخ يشهد أن تعز عمرها ما تعالت على أحد، وكانت دوماً مثالاً للتسامح والتنوع والرقي الإنساني والأخلاقي، ففيها من كل اليمن، وفي اليمن كله منها؛ ساسة وقادة ومثقفين ومبدعين ومواهب تندمج مع كل الأطياف بيسر، وقد خاطبها العميد طارق في زيارته بشجاعة القائد المدرك لجوهرها ومعدنها الحقيقي، ونبل السياسي الذي أنزلها المنزلة اللائقة بها فأكرمته بحفاوتها وابتهاجها وأملها وثقتها به في انبلاج صبحها وزوال معاناتها.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية