تعمد مليشيات الحوثي تجويع اليمنيين، بمختلف شرائحهم، متنصلة من التزاماتها كسلطة انقلابية، وتتصرف بطبيعتها كعصابة لصوصية تنهب مرتبات الموظفين وممتلكات المواطنين، وفوائد وودائع عملاء البنوك والمصارف، بعد نهبها مؤسسات الدولة والمئات من شركات القطاع الخاص.

بعد استنزاف كافة احتياطيات البنك المركزي اليمني، من العملة الصعبة والنقد المحلي، وتبديد أموال صناديق التقاعد ومدخرات البنوك في الحساب الجاري لدى البنك في العاصمة المختطفة صنعاء؛ قررت المليشيات تنفيذ خطة تصفية كادر الجهاز الإداري للدولة والتوقف عن صرف مرتباتهم.

منذ سبتمبر 2016 وحتى أغسطس 2023م، 82 شهراً وموظفو الدولة في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية بدون مرتبات، وبالتحديد مع خصم أنصاص المرتبات وأرباعها، فإن المليشيات رفضت صرف رواتب نحو ستين شهراً رغم قدرتها على ذلك.

تُقدر القوة العاملة في الجهاز الإداري للدولة في كافة مناطق اليمن، بنحو 476919 موظفاً، إضافة إلى 106 آلاف موظف في شركات القطاع العام والمختلط والصناديق المتخصصة.

فيما يُقدر عدد الموظفين والموظفات في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي بنحو 336 ألفاً و556 موظفاً، بينهم موظفون في مديريات تسيطر عليها الحكومة الشرعية ويتسلمون مرتباتهم منها، إضافة إلى نحو خمسين ألف موظف نازح من مناطق الحوثيين إلى مناطق الشرعية، منهم 21 ألف موظف مسجلون في كشوفات الموظفين النازحين لدى الحكومة في عدن ويتسلمون مرتباتهم منها.

ووفق المعلومات، فإن عدد الموظفين في مناطق سيطرة المليشيات من غير الموظفين النازحين، أو أولئك القاطنين في مديريات تسيطر عليها الشرعية خاصة في محافظات مأرب وتعز والحديدة وحجة، قد يتقلص إلى أقل من 300 ألف موظف وموظفة.

وهذه الأرقام ليس بينها منتسبو القوات المسلحة والأمن أو المتقاعدون المدنيون والعسكريون.

وتُقدر إجمالي موازنة المرتبات في كافة مناطق الجمهورية اليمنية، وفق كشوفات رواتب العام 2014م، للجهاز المدني الإداري بنحو 430 مليار ريال يمني سنوياً، فيما تُقدر مرتبات موظفي الدولة في مناطق سيطرة المليشيات بنحو 336 ملياراً و556 مليون ريال سنوياً، وهي مبالغ في متناول سيطرة مليشيات الحوثي وبإمكانها دفعها بانتظام، بالنظر إلى حجم الموارد التي تتحصلها؛ غير أن المليشيات تتعمد حرمان موظفي الدولة من حقوقهم بغرض تجويعهم وتصفية مؤسسات الدولة وكوادرها الوظيفية.

شواهد إصرار مليشيا الحوثي على عدم صرف مرتبات الموظفين كثيرة، ابتداء من الفترة التي أعقبت تصفير خزائن البنك المركزي في العاصمة المختطفة صنعاء، وحملة الكهنوت السلالي لجمع تبرعات مزعومة للبنك المركزي لتبرير تنصلهم من مسؤوليتهم بصرف المرتبات، وغيرها من المحطات والأحداث التي تؤكد الإمعان الحوثي في تجويع المواطنين.

حرمان 120 ألف موظف

بعد رفض الحوثي صرف مرتبات الموظفين في المرحلة الأولى، وخاصة في العام 2018، قررت الحكومة التكفل بدفع مرتبات موظفي بعض القطاعات الخدمية الهامة كقطاعات الصحة والتعليم والقضاء في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية.
ووصل عدد الموظفين الذين في مناطق الحوثي ويستلمون رواتبهم من الحكومة الشرعية عبر شركات الصرافة في العام 2019، إلى 120 ألف موظف ومتقاعد مدني، بما في ذلك القطاع الصحي، و50% من موظفي التعليم العالي والجامعات، والقطاع المدني في الحديدة، والمتقاعدين.

غير أن المليشيات الحوثية فرضت انقساماً نقدياً بمنعها تداول العملة النقدية الصادرة عن المركز الرئيسي للبنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، ما أدى إلى تعطيل مسار صرف المرتبات التي تدفعها الحكومة في مناطق سيطرة المليشيا، بعد أن استمر صرفها بانتظام لعام كامل، وبهذا تكون المليشيات أغلقت أحد نوافذ الأمل التي فُتحت أمام الموظفين لإعالة أسرهم، وأصرت على تجويعهم.

اتفاق استكهولم

اتفاق ستوكهولم، وما أسفر عنه كان شاهداً آخر على حرب حوثية متعمدة ضد الموظفين، حيث نص أحد بنود الاتفاق على "إيداع العوائد الضريبية والجمركية للبضائع والوقود الداخل عبر ميناء الحديدة إلى حساب خاص في فرع البنك المركزي اليمني في الحديدة تحت إشراف الأمم المتحدة، للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية في محافظة الحُديدة وجميع أنحاء اليمن".

لم تلتزم مليشيات الحوثي بدفع رواتب الموظفين من هذه الإيرادات، وتصرفت بإيرادات الحساب البنكي الذي أودعت فيه عائدات ميناء الحديدة، وهذا ما كشفه المبعوث الدولي السابق مارتن غريفيث، الذي قال في حوار صحفي نشره موقع أخبار الأمم المتحدة إن "أنصار الله سحبوا الأموال التي تم جمعها بشكل أحادي".

رفض مقترح أممي

بعد تعيينه مبعوثاً أممياً جديداً إلى اليمن، قدّم السويدي هانس غروندبيرغ، مقترحاً تضمن دفع مرتبات موظفي الدولة المدنيين في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي وفقاً لقوائم 2014.. ووافقت الحكومة المعترف بها دولياً، على صرف مرتبات الموظفين كافة، وفقاً لكشوفات ما قبل الانقلاب الحوثي في 2014، (بحسب الخطة التي تقدم بها المبعوث الأممي)، غير أن المليشيا المدعومة إيرانياً، رفضت ذلك، بحُجة أن لديهم "شهداء" ولجاناً شعبية وعسكريين يجب أن يدخلوا ضمن كشوفات المرتبات، في تعنت يكشف حرصهم على عرقلة دفع مرتبات موظفي الدولة، وأن ما يهمهم فقط استفادة عناصرهم المليشياوية.

وفي حين تأبى المليشيا الحوثية توريد إيراداتها لصالح دفع مرتبات الموظفين؛ تتذرع بأن إيرادات النفط مثلت، قبل الحرب، 70% من الموازنة، وتتجاهل بأن إيرادات هذا القطاع تراجعت بواقع 75% نتيجة للحرب التي فرضتها، وتسببت بمغادرة الشركات والاستثمارات الأجنبية، وتوقف الإنتاج من قطاعات حيوية وعمليات الكشف والتنقيب وتصدير الغاز الطبيعي المسال تماماً.

تضاعف إيرادات المليشيا

مؤخراً، قدّر خبراء اقتصاديون ومهتمون بالمالية العامة للدولة عوائد مليشيات الحوثي من واردات المشتقات النفطية، خلال الفترة التي أعقبت الهدنة في أبريل 2022م، حتى الآن، بما يربو على تريليوني ريال، جنتها من الرسوم الضريبية والجمركية وعمولات أخرى، إضافة إلى قيمة مبيعات النفط الإيراني والعراقي التي تحصل عليها كهبات ومعونات مجانية.

وإضافة إلى عوائد ميناء الحديدة، هناك قطاعات إيرادية هامة كالاتصالات والإنترنت، حيث أعلنت مليشيا الحوثي أنها تعرضت لخسائر بنحو عشرة مليارات ريال نتيجة انقطاع الإنترنت لمدة أربعة أيام، ما يعكس حجم الأموال المهولة التي تتحصلها من قطاع الاتصالات والإنترنت، إضافة إلى فائض النشاط الجاري من شركات القطاع العام والمختلط كشركات التبغ والكبريت ومصانع الإسمنت، وغيرها من الجهات الإيرادية.

وتؤكد مصادر أن إيرادات المليشيات الحوثية من الأوعية الضريبية والجمركية تتجاوز تريليوني ريال، مع تضاعف الجبايات المفروضة على القطاع التجاري، بمراسيم غير دستورية.

وبحسب تقرير فريق الخبراء، بلغت قيمة الإيرادات الضريبية وغيرها للحوثيين في العام 2019، أكثر من 1.8 مليار دولار. كما تشير تقديرات مستقلة إلى أن المبالغ التي حصلتها المليشيا خلال العام 2020، تجاوزت الـ4 مليارات دولار، وهي مبالغ تساوي أضعاف فاتورة مرتبات موظفي الدولة والمتقاعدين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية