بعد مضي شهر واحد على حادثة سراييفو، شهد العالم يوم 28 تموز/يوليو 1914 بداية الحرب العالمية الأولى التي جاءت نتيجة لتفعيل سياسة التحالفات القائمة بأوروبا بتلك الفترة. وفي خضم هذه الحرب، توسعت رقعة المعارك لتطال مستعمرات الدول المتحاربة.

إلى ذلك، تحولت القارة الأفريقية لساحة معارك بين كل من بريطانيا وفرنسا وبلجيكا والبرتغال من جهة وألمانيا من جهة ثانية ضمن ما عرف بحملة شرق أفريقيا التي اندلعت بداية من شهر آب/أغسطس 1914. وفي خضم هذه الحملة بأفريقيا، لم تتردد القوى المتحاربة في استغلال السكان المحليين إما عن طريق تجنيدهم بشكل قسري أو من خلال إجبارهم على إنجاز عدد من المهام الشاقة.

تجنيد السكان المحليين

بمستعمراتهم بالقارة الأفريقية، لم يتردد الألمان، بقيادة الجنرال بول فون ليتو فوربيك (Paul von Lettow-Vorbeck)، في تجنيد وتدريب السكان المحليين لتشكيل ميليشيات مؤهلة لخوض غمار حرب العصابات. وحسب استراتيجية بول فون ليتو فوربيك الذي عانى من قلة الإمدادات، اتجهت هذه الميليشيات للحصول على حاجياتها الغذائية عن طريق نهب وحرق القرى التي حلت بها أثناء تنقلها من منطقة لأخرى داخل مختلف المستعمرات بالقارة الأفريقية.

ولمقارعة القوات الألمانية، فضّل البريطانيون نقل أعداد كبيرة من القوات الهندية، التي تكونت أساسا من الهنود المجندين لصالح بريطانيا، نحو القارة الأفريقية والحفاظ على فيالق بنادقة الملك الإفريقية للقيام بمهام تقتصر بالأساس على حفظ الأمن ومراقبة السكان المحليين. ولإطعام الأعداد الكبيرة من قواتهم وتوفير العتاد لهم، احتاج البريطانيون لنقل المؤن لمسافات طويلة بعمق الأراضي الأفريقية الوعرة. وبسبب غياب شبكات سكك حديدية فعالة، فضّل البريطانيون الاعتماد على سكان القارة الأفريقية للقيام بهذه المهمة الشاقة والمميتة.

فيلق الحمّالين

انطلاقا من ذلك، أسس البريطانيون ما عرف بفيلق الحمّالين، المعروف أيضا بفيلق الناقلين، (Carrier Corps) الذي كان قوامه العنصر الأفريقي حيث لجأت لندن حينها لتجنيد أعداد كبيرة من الأفارقة لإجبارهم على نقل المؤن فوق ظهورهم لمسافات طويلة داخل عمق القارة. ومقابل هذه الخدمة التي قدموها للجيش البريطاني، حصل أفراد فيلق الحمّالين على كميات ضئيلة من الغذاء لم تكن كافية لسد رمقهم أثناء الرحلات الطويلة والشاقة.

أثناء فترة الحرب، جندّت بريطانيا ضمن ما لقّب حينها بالسافاري الكبير، أي الرحلة الكبيرة بأدغال أفريقيا، نحو مليون أفريقي بفيلق الحمّالين. وبالفترة نفسها، جندت ألمانيا وبلجيكا نحو 500 ألف أفريقي للقيام بمهام مشابهة.

بسبب سوء المعاملة وقلة الغذاء وانتشار الأمراض والأوبئة، توفي ما لا يقل عن 350 ألف أفريقي ممن عملوا بفرق الحمّالين لدى مختلف الأطراف المتحاربة. فضلا عن ذلك، ساهم فيلق الحمّالين في اختلاط الثقافات الأفريقية بسبب اختلاف أعراق وقبائل الأفراد الذين عملوا به وتنقلوا من منطقة لأخرى. من جهة ثانية، أدت حركة تنقل هذا العدد الكبير من الأشخاص بين مناطق مختلفة لانتشار وتفشي العديد من الأمراض التي كانت على رأسها الحمى الإسبانية والتيفوس.

 

المصدر: العربية

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية