في الثانية ظهر السادس من أكتوبر (تشرين الأول)، الموافق الـ10 من شهر رمضان، فاجأت القوات المصرية والسورية إسرائيل بهجومين تزامناً مع أقدم أيام العام لليهود الذين كانوا يحتفلون آنذاك بما يسمى "يوم الغفران".

وبينما لم تستمر الحرب سوى بضعة أيام، إلا أنها كانت حرباً غيرت وجه الشرق الأوسط، وفق وصف الأميركيين الذين كانوا داعمين للقوات الإسرائيلية في تلك الحرب، ففضلاً عن تغير الدور المصري في السياسة الدولية للمنطقة، فإن الصراع كاد أن يدفع القوى العظمى في العالم إلى حافة مواجهة نووية دعماً لحلفائهم، وأثار أول أزمة نفط عالمية في عدد من العواصم الأوروبية بعدما فرضت الدول العربية بطريقة غير مسبوقة حظراً نفطياً يعاقب الولايات المتحدة على دعمها لتل أبيب.

كان للمشاركة العربية وغير العربية قبل 50 عاماً دوراً محورياً في دعم مصر وسوريا في تلك الحرب التي أفضت إلى توقيع معاهدة السلام واسترداد السيادة الكاملة على سيناء، في حين ظلت الجولان السورية واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، فيصف رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة المصرية خلال حرب أكتوبر سعدالدين الشاذلي، التعاون العربي في ذلك الوقت بأنه "كان أفضل صورة ظهر بها العرب منذ إنشاء دولة إسرائيل" ويمكن أن يكون نموذجاً لأي عمل مشترك في المستقبل.

النفط سلاح غير تقليدي

الدور الذي لطالما تحدث عنه المصريون في إعلامهم ومدارسهم كان ذلك الدعم الذي تلقته القاهرة ودمشق من دول الخليج العربي بقيادة الملك السعودي فيصل بن عبدالعزيز الذي سرعان ما دعا إلى اجتماع عاجل لوزراء النفط العرب في الكويت عقب تلك الانتصارات التي حققتها القوات المصرية على الجبهة في السادس من أكتوبر، ليسفر الاجتماع عن قرار عربي موحد يحظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة رداً على قرار واشنطن بإعادة إمداد الجيش الإسرائيلي بالسلاح.

وقام أعضاء "أوبك" العرب بتوسيع الحظر ليشمل الدول الأخرى التي تدعم تل أبيب بما في ذلك هولندا والبرتغال وجنوب أفريقيا، وتضمن القرار حظر صادرات النفط إلى الدول المستهدفة وخفض الإنتاج، فوفق وثائق إنجليزية نشرت هيئة الإذاعة البريطانية فحواها العام الماضي، فإن البريطانيين والأميركيين على حد سواء فوجئوا بجرأة العرب على حظر البترول.

وفق موقع مكتب التأريخ التابع للخارجية الأميركية، فإن الحظر النفطي عام 1973 أدى إلى إجهاد الاقتصاد الأميركي بشدة والذي كان يعتمد بشكل متزايد على النفط الأجنبي وأسهم في حدوث دوامة تصاعدية في أسعار البترول، مما ترتب على آثار عالمية، فتضاعف سعر برميل النفط في البداية، ثم تضاعف أربع مرات، مما فرض كلفاً باهظة على المستهلكين وتحديات هيكلية لاستقرار الاقتصادات الوطنية بأكملها.

وبما أن الحصار تزامن مع انخفاض قيمة الدولار، بدا الركود العالمي وشيكاً، وقام حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا واليابان بتخزين إمدادات النفط، وبالتالي أمّنوا لأنفسهم مخزوناً موقتاً على المدى القصير، لكن احتمال ارتفاع أسعاره والركود على المدى الطويل أديا إلى حدوث صدع داخل الحلف عابر الأطلسي، فوجدت الدول الأوروبية واليابان نفسها في موقف غير مريح احتاجت فيه إلى مساعدة الولايات المتحدة لتأمين مصادر الطاقة، حتى عندما سعت إلى النأي بنفسها عن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

ووجدت واشنطن التي واجهت اعتماداً متزايداً على استهلاك النفط وتضاؤل الاحتياطات المحلية نفسها أكثر اعتماداً على البترول المستورد من أي وقت مضى، واضطرت إلى التفاوض على إنهاء الحظر في ظل ظروف اقتصادية محلية قاسية أدت إلى تقليص نفوذها الدولي، ولتعقيد الأمور ربط منظمو الحظر (الدول العربية) نهايته بالجهود الأميركية الناجحة لتحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب.

أدرك الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون ووزير الخارجية هنري كيسنجر القيود الكامنة في محادثات السلام لإنهاء الحرب التي اقترنت بمفاوضات مع أعضاء "أوبك" العرب لإنهاء الحظر وزيادة الإنتاج، لكنهم أدركوا أيضاً الارتباط بين القضايا التي تدور في أذهان الزعماء العرب.

وبدأت إدارة نيكسون مفاوضات موازية مع منتجي النفط الرئيسين لإنهاء الحظر، ومع مصر وسوريا وإسرائيل لترتيب انسحاب إسرائيلي من سيناء ومرتفعات الجولان، وكانت المحادثات الأولية بين كيسنجر والقادة العرب في نوفمبر (تشرين الثاني) 1973 وبلغت ذروتها بالتوصل إلى اتفاق فض الاشتباك المصري- الإسرائيلي الأول في الـ18 من يناير (كانون الثاني) 1974.

وعلى رغم فشل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي، فإن آفاق بلوغ نهاية تفاوضية في شأن الأعمال العدائية بين تل أبيب ودمشق كانت كافية لإقناع الأطراف المعنية برفع الحصار في مارس (آذار) 1974.

دعم عسكري ومالي

إضافة إلى سلاح النفط، كان للدعم العسكري لمصر وسوريا من قبل تسع دول عربية دوراً فاعلاً خلال الحرب وهو الدور الذي همّ به بترتيب قوة التأثير العراق والجزائر وليبيا والأردن والمغرب والسعودية والسودان والكويت وتونس.

وكان الإسهام العسكري للعراق في حرب 1973 فاعلاً على صعيد الجبهة السورية، فيذكر الشاذلي في كتابه "مذكرات حرب أكتوبر" أنه بمجرد اندلاع الحرب اتخذ العراق إجراء سريعاً يهدف إلى تأمين جبهته مع إيران (حيث كانت التوترات تدب بين البلدين في شأن شط العرب) ويسمح له بإرسال جزء من قواته إلى الجبهة السورية، وأشركت بغداد في القتال أربعة أسراب جوية وفرقة مدرعة وأخرى مشاة، فكانت قواته في الترتيب الثالث بعد مصر وسوريا من ناحية الكم والكيف.

ويذكر الشاذلي أن الجزائر كانت في المركز الثاني بعد العراق بين الدول العربية التي ليست من دول المواجهة من حيث الدعم العسكري الذي قدمته للمعركة، فبمجرد اندلاع الحرب أرسلت الجزائر سرب "ميغ 21" وسرب "سوخوي 7" و "ميغ 17" ولواء مدرعاً، وعلاوة على الدعم العسكري سافر الرئيس الجزائري هواري بومدين إلى موسكو في نوفمبر 1973 فدفع للاتحاد السوفياتي200  مليون دولار ثمناً لأي أسلحة أو ذخائر تحتاج إليها مصر وسوريا بمعدل 100 مليون دولار لكل منهما.

وفي كتابه "الطريق إلى رمضان"، ذكر الكاتب الصحافي المصري محمد حسنين هيكل أنه خلال الأيام الأولى لحرب أكتوبر تبرعت ليبيا بمبلغ 40 مليون دولار و4 ملايين طن من الزيت، فيما تبرعت السعودية بـ200  مليون دولار والإمارات بنحو 100 مليون دولار، ويقول الخبراء العسكريون إنه كانت هناك تبرعات من دول عربية أخرى.

وجاء الدعم العسكري الليبي لمصر وسوريا في المركز الثالث بين الدول العربية التي ليست من دول المواجهة، فعندما اشترت ليبيا طائرات "ميراج" الفرنسية عام 1970 اعتمدت على الطيارين المصريين الذين منحتهم جوازات سفر ليبية، وبين عامي 1971 و1972 زاد التعاون بين البلدين إلى الحد الذي بدا وكأنه وحدة قائمة غير معلنة، بحسب وصف الشاذلي، وعند اندلاع حرب أكتوبر 1973، كانت القوات الليبية المتمركزة في مصر عبارة عن سربي "ميراج" أحدهما يقوده طيارون ليبيون والآخر يقوده طيارون مصريون ولواء مدرع.

وعلى رغم التوترات التي نشبت بين مصر والسودان في الفترة السابقة لحرب أكتوبر، إلا أنه بعد اندلاع الحرب بدأ لواء المشاة السوداني يعود للجبهة المصرية عقب انسحابه، لكنه لم يستطع الوصول إلا بعد وقف إطلاق النار.

وهناك سبع دول عربية أخرى لم تسهم في المعركة بقوات عسكرية وهي الإمارات والبحرين وعمان وقطر ولبنان والجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، لكن الشاذلي يقول إن عدم اشتراك هذه الدول في تقديم الدعم العسكري لا يعني إحجامها عن ذلك وإنما يعني أنه لم يكن لديها ما تستطيع أن تقدمه للمعركة.

السوفيات وساعة الصفر

جاءت حرب 1973 في أوج أعوام الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، ومن ثم كانت حرب أكتوبر ساحة معركة بالوكالة بين القوتين العظميين حتى كاد الأمر أن يتطور إلى حرب نووية.

بطبيعة العلاقات التي كانت تجمع السوفيات ودول المواجهة في ذلك الوقت، قدمت موسكو دعماً عسكرياً لافتاً إلى المصريين والسوريين، إذ ساعدوا القاهرة ودمشق بشكل غير مباشر في الاستعدادات للحرب، كما زوّدوا مصر وسوريا بأطنان من الإمدادات خلال الحرب، واستخدموا أقمارهم الاصطناعية للكشف عن التسليح النووي للإسرائيليين.

وكشفت دراسة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أعقاب الحرب عن أن الأقمار الاصطناعية السوفياتية "مكنت العرب قبل العمليات القتالية من التأكد من الترتيبات الإسرائيلية في سيناء، ومن أن يروا لاحقاً بعدما بدأ الإسرائيليون بالتحرك غرباً التهديدات التي تتعرض لها القاهرة".

 وعلى جبهة الجولان، تلقت القوات السورية دعماً مباشراً من الفنيين والعسكريين السوفيات، ففي بداية الحرب كان هناك ما يقدر بنحو 2000 جندي سوفياتي في سوريا نصفهم كانوا يخدمون في وحدات الدفاع الجوي السورية، ويذكر الكاتب الأميركي بروس بورتر في كتابه "الاتحاد السوفياتي في صراعات العالم الثالث" الصادر عن جامعة كامبريدج عام 1984 أن السوفيات كانوا مؤثرين أيضاً في تسوية الحرب ووقف إطلاق النار من قبل إسرائيل.

وقبل عامين، كشفت وثائق بريطانية عن أن السوفيات هم الذين نصحوا الرئيس المصري الراحل أنور السادات باختيار السادس من أكتوبر لبدء الهجوم على الجيش الإسرائيلي، وتقول دراسة "الناتو" التي أجراها بعد أشهر قليلة من انتهاء الحرب بهدف "استخلاص الدروس" تحسباً لاندلاع صراع عسكري مع دول حلف وارسو في ذلك الوقت، بقيادة الاتحاد السوفياتي، إن الروس أدوا دوراً مؤثراً ساعد المخططين المصريين على تنفيذ خطة الخداع التي جاءت بعد دراسة دقيقة لتجربة الهزيمة أمام إسرائيل في حرب الأيام الستة في يونيو (حزيران) عام 1967.

وفي حين لم يؤكد مصدر مصري صحة هذه المعلومات، لكن وفق ما هو منشور في الصحافة البريطانية، فإن معلومات "الناتو" الاستخبارية تشير في ذلك الوقت إلى أنه "خلال دراسة المصريين لحرب يونيو أوصى المستشار الروسي الكبير الجنرال فاسيليوفيتش بفترة ’يوم كيبور‘ (عيد الغفران اليهودي) باعتبارها أفضل وقت للهجوم لتحقيق المفاجأة"، واستندت النصيحة إلى أنه في هذا اليوم تتوقف الحياة بشكل شبه تام وفقاً للتعاليم اليهودية المتبعة، وقال "في هذا اليوم يكون سكان إسرائيل في المنزل يتأملون ويصومون وتظل أجهزة المذياع مغلقة".

وأوضحت دراسة "الناتو"، وفق هيئة الإذاعة البريطانية، أن حجم الدعم السوفياتي للعرب كان أكبر وأهم بكثير من المعروف عنه في الحرب، وتقول المعلومات الاستخبارية إنه "بداية من مساء الـ 11 من أكتوبر، وصلت سفن الشحن السوفياتية بمواد حربية من مدينة أوديسا في أوكرانيا إلى ميناء اللاذقية السوري بعد اندلاع الحرب بخمسة أيام"، و"إجمالاً وصلت 50 سفينة شحن إلى موانئ اللاذقية وطرطوس والإسكندرية في الفترة من الـ 11 إلى الـ21 من أكتوبر بحمولات من الذخيرة والمعدات الحربية". 

وليس عن طريق البحر فقط، بل الجو أيضاً فبين السادس  والـ21 من أكتوبر 1973 هبطت 296 طائرة في مصر تحمل أسلحة ومعدات منها 244 طائرة "أنتونوف-12" تحمل كل واحدة 12 طناً و40 طائرة "أنتونوف-44" تحمل كل واحدة منها ما بين 60 إلى 70 طناً إضافة إلى 12 أخرى، بحسب الدراسة. ولمدة شهر بقي جسر جوي بين الاتحاد السوفياتي وسوريا نفذت خلاله قرابة 900 رحلة وصلت إلى ذروتها في الـ 17 من أكتوبر بعدد رحلات بلغ أقصاه 100 رحلة"، ووفق حسابات "الناتو" فإنه بهذا يكون الاتحاد السوفياتي "نقل جواً ما بين 800 إلى 1000 طن يومياً عبر 3000 كيلومتر من يوغوسلافيا والبحر الأسود فوق تركيا".

 

انحياز شرقي

بطبيعة الحال، كإحدى دول الكتلة الشرقية أو الشيوعية التي يقودها الاتحاد السوفياتي، انحازت كوبا وكوريا الشمالية إلى مصر وسوريا في الحرب، ويذكر الشاذلي في مذكراته أن بيونغ يانغ أمدت القاهرة بطيارين مقاتلين، ويسرد كيف بدأت هذه المسألة من خلال زيارة لنائب رئيسها إلى مصر وزيارته الجبهة وتبادل الرأي حول الاستعداد للمعركة.

وسبق المعركة طرد السادات للخبراء السوفيات عام 1972، وكان من بينهم 100 طيار يشغلون 75 طائرة "ميغ 21"، مما تسبب في نقص أعداد الطيارين المجهزين للحرب، ومن ثم طلبت مصر من نائب الرئيس الكوري خلال زيارته للقاهرة في مارس 1973 إمدادها بعدد من طياري "ميغ 21"، فوافق الرئيس الكوري كيم إل سونغ آنذاك على الطلب المصري وأرسل 30 طياراً وثمانية موجهين جويين وخمسة مترجمين وثلاثة عناصر للقيادة والسيطرة ومعهم طبيب وطباخ خدموا في قاعدة تضم 3000 مصري.

ويؤكد المصريون والإسرائيليون على حد سواء وقوع اشتباكات بين الطيارين الكوريين والإسرائيليين خلال الحرب، فتلك المعلومة التي ذكرها الشاذلي في مذكراته، أكدتها مصادر إسرائيلية لموقع "ذا ناشونال إنترست" الذي نشر عام 2019 رواية للطيار الإسرائيلي مئير غور قائد إحدى طائرات السرب الإسرائيلي الذي اشتبك مع طيارين من كوريا الشمالية يقودون مقاتلات من طراز "ميغ-21" فوق الأجواء المصرية.

وذكر الموقع الأميركي المعني بالشأن العسكري أن مقاتلات كوريا الشمالية التي لم تشتبك مع المقاتلات الإسرائيلية إلا في السادس من ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام، كانت تربض في مطار بير عريضة (شمال الصعيد) لتأمين جنوب البلاد.

ويروى المركز الكوبي للدراسات الاستراتيجية قصة إرسال الزعيم الكوبي فيديل كاسترو قوات لدعم الجيش السوري في حرب أكتوبر وخلال حرب الاستنزاف التي تبعتها واستمرت بين نوفمبر 1973 ومايو (أيار) 1974، إذ أرسلت هافانا ما يصل إلى 4000 جندي وقادة دبابات وأطقم طائرات هليكوبتر إلى المنطقة للمشاركة في الصراع الذي استمر ثلاثة أسابيع قبل إعلان وقف النار، ويُعتقد بأن أفراداً من القوات الكوبية شاركوا في عمليات قتالية ضد الجيش الإسرائيلي.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية