خُتمت اليوم سيرة "الصماد" وانطوت صفحته تماماً، واتجهت الأنظار اليمنية نحو القيادي الثاني من الدائرة المقربة. ذاك المجهول الذي ينتظر حتفه في مصير مشابه، أهو المشاط "الرئيس" الذي يملأُ الكرسي الشاغر منذ إعلان مقتل رئيس مجلسهم السياسي؟، أم محمد علي الحوثي "العدو الصامت" سلفاً للصماد؟، أم هو عبد الملك الحوثي، مطلع قصيدة "الشر" في اليمن.. هكذا يتساءل اليمنيون عن قناعة تختلف في الزمان والمكان عن مصير قيادات الانقلاب، وتتفق على أن المليشيات محتمٌ عليها أن تنتهي، ولو بعد حين.

 

لم تكن مراسيم التشييع التي جرت في ميدان السبعين وسط صنعاء طبيعية، فالأمر في واضحه "جنازة عسكرية" لقيادي من الصف الأول، وفي باطنه أهداف لها من ذاتها مقصد وتبعات تبنيها المليشيات تدريجياً، أقلها الإساءة لثورة الـ 26من سبتمبر، ومحاولة تمييعها في واقع الحرب المشتعلة في البلاد لصالح توسيع دائرة المشروع الحوثي الإيراني؛ فبالنظر إلى المكان الذي دفن فيه ما تبقى من أشلاء الصماد، يوقن المتابع أن الحدث لم يكن تكريماً له، ولم يحدث بالمصادفة البتة!

 

 وطبقاً لمراقبين فإنه ولطالما كانت ثورة 26من سبتمبر أكثر المراحل التي تثير حنق الحوثيين وتدفعهم لاعتبارها عملية "انقلاب" ضد حكم كان قائماً في اليمن الشمالي آنذاك، لكنهم ظلوا طوال الفترة الماضية يتروون في مجابهتها أو إعلان العداء عليها صراحةً، خصوصاً وأن قوى سياسية كانت تتمسك بقيم مشروع الثورة اليمنية في مناطق سيطرتهم، وكان حزب المؤتمر الشعبي العام، حامل الراية في اعتبار ثورة الـ 26من سبتمبر خطاً أحمر ليس من المقبول التفاوض حولها أو إنكارها.

 

تحت النصب التذكاري للجندي المجهول، انتهى المطافُ بصالح الصماد، ودفن الرجل "تحت أقدام الثورة" كما وصّف ناشطون يمنيون هذه الواقعة، واعتبرها آخرون بأنها محاولة حوثية يائسة للتمادي على الثورة وطمس شواهدها، الذي يعدُ النصب التذكاري في السبعين واحداً منها. أما المليشيات فإن مغزاها كان أكبر من التوصيف؛ لكن وإن كان ذلك فإن اليمنيين ما يزالون حتى اليوم على وفاقٍ فيما يخص ثورة جمهوريتهم.

 

يقرأُ متابعون للشأن اليمني محاولات الحوثيين في تنفيذ هذا الاختراق "الأصعب" للثورة اليمنية بأنه بمثابة محاولة زرع نبتة في الصحراء، ويعزون ذلك إلى منطق اليمنيين في الفصل بين كل الأشياء وثورتهم المجيدة تلك (26سبتمبر) التي أفضت بهم إلى متسع كبير من الحرية والعيش الكريم، ومارسوا وفقاً لمبادئها قيم الديمقراطية بعيداً عن "حياة الإكراه" التي ألفوها إبان حكم الأئمة في الشمال، ولذا يصعب تمييع مبادئها لصالح إنتاج النظام الإمامي بالحلة الجديدة، والأكثر سوءاً. حد تقدير المراقبين.

 

تعمدت قيادات الحوثيين العسكرية والحكومية الخروج بتصريحات لوسائل الإعلام؛ شددوا من خلالها على أن هذا اليوم يعد ‘‘محطة فارقة في تاريخ (...) الشعب اليمني" وفقاً لما أوردته وكالة "سبأ" بنسختها الحوثية. يضيفون على لسان محمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية للمليشيات: "إننا أمام خيارين لا ثالث لهما" يفصلها الحوثي بـ "النصر أو الشهادة" معترفاً بذلك بواقع جماعته المحشور في منعطفٍ خطر، إلا أنه يعطي صبغة دينية لما يقول، فهو يؤمن جلياً أنهم إلى زاول أو أنهم منتصرون، غير أن الإيمان الأول هو إيمانُ اليمنيين جميعا وجيرانهم في المنطقة. أما المحطة الفارقة التي يقصدونها فليست أقل من حلمهم بتمزيق ثورة اليمنيين.

 

لم يتأنَ زعيم المليشيات، عبد الملك الحوثي في الظهور العاجل للتعليق على مقتل الصماد؛ إسهاب في الحديث يطول عن الساعة، يبرر فيه الحوثي للصماد بأنه لم يلحظ فيه "أي مشاعر من مشاعر السلطة والزهو بالسلطة والمنصب". ويزيد في مشاعر "المُعزي الحزين" بأن الصماد كان "رفيق درب في كل المراحل الماضية"، مكرساً بقوله ذاك مساعيهم الحقيقة للاستحواذ على الحكم وإخضاع اليمنيين لسلطتهم رغم محاولته تجنب هذه الحقيقة في خطابه.

 

تبني الحوثي لخطاب المناطقية في الحكم وحصرها في مستوى ضيق لا يتجاوزهم، ليس بجديد البتة، بل إفصاح بالقول عن حقيقة مشروع المليشيات، وهذا تـَعزز بوقائع شهدتها البلاد منذ أربع سنوات، كان الأهم فيها مساعي الحوثيين لتمجيد رموز "آل الدين" الذين قضوا في "مؤامرات" و "استهداف" خارجي لليمن، متناسية حجم الخراب الذي عم اليمن على كل المستويات إبان تلك الفترة.

 

كفيلةٌ هي الأيام لتكشف المزيد من خبايا المشروع الانقلابي، وبمقتل الصماد خسرت المليشيات كثيراً، واتضح لليمنيين جزء كبير من حقيقة المشروع الحوثي، ففي الوقت الذي يُعلن فيه دفن الصماد علناً، تعلن المليشيات بالواقع لا القول وأد ثورة الـ 26من سبتمبر وإعادة ترسيخ نظام الإمامة بطابع إيراني بحت، يمضي بمنطق القهر والاضطهاد لضمان البقاء في سدة الحكم.

 

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية