أكثر من 4.5 مليون نازح في اليمن، في خيامهم الممزقة التي لم تعد توفر لهم الحماية يستقبلون موسمًا جديدًا من الأمطار والسيول المدمرة، التي لا تكتفي بابتلاع مساكنهم المؤقتة، بل تبتلع معها ما تبقى لهم من أمل بحياة كريمة.

هذا العام ككل عام مضى، ومع حلول موسم الأمطار، تتجدد مأساة النازحين الذين فروا من ويلات الحرب ليجدوا أنفسهم يواجهون خطرًا جديدًا. خطر السيول التي تداهم مساكنهم المهترئة وخطر اللجوء إلى العراء دون مساكن بديلة مع تقلص الدعم الأممي وانسحاب العديد من المنظمات الأممية الإغاثية والإنسانية.

خلال الأيام الماضية شهدت العديد من المحافظات اليمنية أمطارًا وسيول جارفة، كانت حصيلتها أضرارًا كبيرة طالت مساكن أكثر من 23 ألف أسرة نازحة في محافظات "مأرب، حجة، لحج، والحديدة". وفق رصد خاص لـ"وكالة 2 ديسمبر".

في محافظة مأرب (شمالي شرق اليمن) التي تُعد ملاذًا لأكثر من مليوني و300 ألف نازح (أكثر من 299 ألف أسرة) تترقب أكثر من 67 ألف أسرة نازحة تتوزع على 209 مخيم وتجمع نزوح موسما جديدا من الخوف من الأمطار.

وذكر تقرير صادر عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في المحافظة، أن 2944 أسرة نازحة تضررت من سيول الأمطار، من بينها 464 أسرة تعرضت لأضرار كلية، و2480 أسرة تضررت جزئيًا، في عدد من المخيمات في مديريات "مدينة مأرب، الوادي، رغوان، وحريب".

وأوضح التقرير أن مديرية مدينة مأرب كانت الأكثر تضرراً بواقع 1895 أسرة، تلتها مديرية مأرب الوادي بـ825 أسرة، ثم رغوان بـ164 أسرة، بينما سجلت مديرية حريب تضرر 60 أسرة.

وأشار التقرير إلى أن الأمطار والسيول الناجمة عنها تسببت بوفاة 3 نازحين، وإصابة 5 آخرين. حيث أوضحت مصادر محلية في مديرية الوادي لـ"وكالة 2 ديسمبر" بأن من بين الوفيات طفلتين في المديرية.

ووفقًا للتقرير، أسفرت سيول الأمطار عن خسائر مادية واسعة شملت مساكن الإيواء، والأثاث، والمواد الغذائية، والمقتنيات الشخصية، وإتلاف خزانات المياه وقنوات الصرف الصحي، مما فاقم من معاناة النازحين في ظل ظروف معيشية صعبة.

وحذر التقرير من استمرار المخاطر المحتملة في ظل التحذيرات الجوية المتواصلة، مشددًا على ضرورة معالجة الوضع القائم بشكل عاجل، كما حذر أيضا من تفاقم الأوضاع الإنسانية والصحية إذا لم يتم التدخل العاجل لتوفير المساعدات الطارئة.

ودعا التقرير السلطات المحلية والجهات الإنسانية إلى سرعة التدخل لإغاثة الأسر المتضررة بالمأوى والغذاء والمياه والصحة، وتنفيذ حلول عاجلة ومستدامة لمواجهة آثار السيول والفيضانات والحد من تكرار الكارثة، إضافة إلى تعزيز الجهود التنسيقية بين السلطات المحلية والمنظمات الدولية لتقديم الاستجابة الفاعلة.

مصدر في الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في المحافظة قال لـ"وكالة 2 ديسمبر"، إن الوحدة ناقشت مع شركاء العمل الإنساني الاستعدادات اللازمة في توجيه الدعم اللازم للأسر في المخيمات في حال تكررت مأساة السيول التي حدثت العام الماضي، موضحًا "لكن المخزون من مواد المأوى والإيواء الموجود حاليًا في المخازن لن يغطي سوى 500 أسرة على أقل تقدير، فماذا لو كانت الكارثة أكبر مقارنة بالعام الماضي التي تجاوزت فيه أعداد الأسر المتضررة 14 ألف أسرة نازحة، منها قرابة 4 آلاف أسرة فقدت مساكنها بشكل كلي".

في محافظة حجة (شمال غرب اليمن) لم يكن الحال أفضل حالًا في حياة النازحين، حيث قدّرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الأضرار الناجمة عن الأمطار بـ"الهائلة"، ووصفت ما يحدث بـ"الدمار يضرب العائلات في اليمن".

وأشارت في آخر إحصائية نشرتها الإثنين 25 أغسطس/ آب 2025م إلى أن عدد الأسر النازحة المتضررة بعديد من مخيمات النازحين في المحافظة وحدها يفوق 16 ألف أسرة.

وكانت مديرية عبس التي تضم عشرات من مخيمات النازحين، أكثر المديريات تضررًا، إذ تسببت الأمطار والسيول الناجمة عنها في تدمير وتشريد عشرات من الأسر النازحة كانت ممتلكاتهم ومساكنهم البسيطة هي كل ما يملكون، لكنها لم تكن كافية لمواجهة كثافة الأمطار والسيول.

وفي مشهد مأساوي مكرر، شهدت محافظة الحديدة (غربي اليمن) تضرر نحو 1750 أسرة نازحة في مخيمي "الجشّة وبني جحبر"، بمديرية الخوخة، جنوبي المحافظة، إذ غمرت السيول مساكن النازحين وأتلفت المواد الغذائية.

المأساة نفسها وقعت في محافظة لحج (جنوبي اليمن) حيث خلفت الأمطار وفق مصادر محلية لـ"وكالة 2 ديسمبر" أضرارًا بالغة في مخيمات النازحين بعديد من المديريات.

وقالت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في المحافظة في تقرير لها إن مخيمات النزوح في مديريات "تبن، الحوطة، طور الباحة، الحبيلين، ردفان، والمسيمير"، تعرضت لأضرار كبيرة جراء الأمطار والسيول الأيام الماضية.

وبحسب التقرير طالت الأضرار أكثر من 20 مخيم وتجمع نزوح في تلك المديريات، إضافة إلى جرف مخيمي "المخشابة، وسد فالج"، بمديرية "تبن" بالكامل، مشيرًا إلى أن الأسر النازحة المتضررة بلغت 2585 أسرة. 

وتعرض 14 مخيم من مخيمات النازحين في مديرية "تبن" - وفق التقرير - إلى أضرار كبيرة طالت 2200 أسرة نازحة، و24 أسرة في مخيم الأمل، بمديرية الحوطة، و97 أسرة في اثنين من مخيمات النازحين بمديرية طور الباحة، و294 أسرة تقطن 3 مخيمات في مديرية الحبيلين.

وأكد التقرير أن الوضع الإنساني في مخيمات النازحين بالمحافظة يتجه نحو التدهور مع استمرار التوقعات بهطول أمطار وتدفق سيول إضافية دون استجابة فورية وشاملة والتي تتطلب تدخلاً سريعاً وشاملاً لإنقاذ الأسر النازحة من المعاناة التي تفاقمت بسبب الكارثة الطبيعية.

وناشدت الوحدة التنفيذية في تقريرها الجهات المعنية المحلية والدولية بضرورة الإسراع في تقديم المساعدات الإنسانية لإنقاذ الأسر المتضررة ومساعدتهم على تجاوز هذه الكارثة.

وتؤكد مصادر عدة متطابقة لـ"وكالة 2 ديسمبر" أن الأسر المتضررة غالبًا ما تجد نفسها بلا مأوى أو مساعدات كافية، خصوصًا في ظل محدودية قدرة السلطات والمنظمات على الاستجابة السريعة لجميع الحالات، وفي ظل تقليص الدعم الأممي وانسحاب العديد من المنظمات الأممية الإغاثية.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية