تتوالى فضائح العبث المالي في المناطق المنكوبة بسيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية، حيث كشفت مصادر مصرفية موثوقة عن عملية فساد كبرى مرتبطة ببيع كميات ضخمة من العملات المعدنية الأثرية والتاريخية التابعة للبنك اليمني للإنشاء والتعمير.

العملية جرى تمريرها عبر لجنة شكلتها المليشيا تحت مسمى "لجنة الجرد والبيع"، في خطوة تعكس المنهجية الحوثية الرامية إلى تصفية أصول أعرق بنك يمني وتحويله إلى أداة مالية بيد قياداتها وشركاتهم الخاصة.

وأكدت مصادر مطلعة، لوكالة "2 ديسمبر"، أن القيادي الحوثي "فضل الديلمي"، نائب رئيس لجنة البيع ومدير المراجعة في إدارة البنك الخاضعة للمليشيا الحوثية في العاصمة المختطفة صنعاء، كان له الدور الأبرز في هذه الصفقة، إذ تولى بنفسه تقدير الأسعار واستلام المبالغ وتحديد الجهة المشترية.

الأخطر- وفق المصادر- أن شركة الرضوان للصرافة التي يديرها الديلمي نفسه هي التي جرى البيع لصالحها، ما يعني أن القيادي الحوثي جمع بين موقع البائع والمشتري في آن واحد، في فضيحة تضارب مصالح غير مسبوقة.

وأظهرت محاضر الجرد التي أُنجزت في يوليو 2025، واطلعت و"كالة 2 ديسمبر" على محتواها أن العملات التي تم التصرف بها شملت فئات نادرة من "العشر الملكي" و"نصف العشر الملكي" وقطعًا معدنية تاريخية ذات قيمة أثرية، لكنها بيعت بأسعار زهيدة لا تقترب من قيمتها الحقيقية، في ظل تغييب كامل لمبدأ الشفافية أو طرح أي مناقصات علنية.

واستخدمت اللجنة- في سابقة خطيرة- أسلوب الوزن بدلًا من العد اليدوي لتبرير الفروقات مع محاضر جرد 2019، وهو ما فتح الباب واسعًا أمام التلاعب بالكميات وخلق ثغرات محاسبية يمكن من خلالها تمرير عمليات البيع بغطاء رسمي شكلي.

يرى خبراء ماليون أن ما جرى يمثل نموذجًا صارخًا لنهب الأصول النقدية في اليمن، ويكشف عن مخطط لتصفية البنك اليمني للإنشاء والتعمير- الذي يُعد أقدم بنك تجاري في البلاد- وتحويل ما تبقى من أصوله وموارده إلى شركات وأذرع مالية تديرها قيادات حوثية.

ويؤكد الخبراء أن هذه الممارسات تضع البنك على حافة الانهيار الكامل، ليس فقط من حيث فقدان أصوله المادية، بل أيضًا عبر ضرب ثقة المودعين والمستثمرين به، وتحويله تدريجيًا إلى "خزينة خاصة" تمول أنشطة مليشيا الحوثي وتُسخر لصالح شبكات مالية مغلقة.

وفي هذا السياق، كانت الإدارة العامة للبنك اليمني للإنشاء والتعمير في عدن قد حذرت مرارًا من أي عمليات بيع أو شراء لأصول البنك من قِبل شركات أو تجار، مؤكدة أن مثل هذه التصرفات غير قانونية ولا تستند إلى أي صلاحيات رسمية، وأنها لا تعدو عن كونها محاولات لشرعنة النهب والسطو على ممتلكات البنك.

غير أن هذه التحذيرات لم تلقَ صدى، لدى مجلس الإدارة غير الشرعي للبنك في صنعاء، ليصبح مجرد أداة لتمرير قرارات تصب في اتجاه واحد تجريف البنك وتفريغه من محتواه المالي والتاريخي، ما يجعلهم عرضة للعقوبات الأمريكية والدولية.

ويحذر اقتصاديون من أن استمرار مثل هذه الممارسات سيؤدي إلى ضياع أصول مالية ونقدية نادرة تمثل جزءًا من التراث الاقتصادي اليمني، فضلًا عن الإضرار بسمعة النظام المصرفي اليمني على الصعيد الإقليمي والدولي. ويضيف الخبراء أن تصفية أصول البنك بهذا الشكل قد تفتح الباب أمام عقوبات ومساءلات قانونية مستقبلية، خصوصًا إذا ما تم توثيق هذه الجرائم كجزء من ملف الانتهاكات الاقتصادية للمليشيا.

وتزايدت الأصوات المطالبة بفتح تحقيق مستقل ودولي في هذه القضية، لمساءلة المتورطين وفي مقدمتهم فضل الديلمي، ومجلس الإدارة غير الشرعي في صنعاء، والكشف عن حجم التلاعب الذي جرى باسم "اللجان" و"محاضر الجرد".

ويعتبر مراقبون أن ما جرى لا يمثل فقط عملية فساد داخلية، بل هو تصفية ممنهجة لمؤسسة اقتصادية وطنية، تندرج ضمن سياسة الحوثيين الأوسع في الاستحواذ على المال العام ومقدرات الدولة.

وتؤكد هذه الفضيحة بكل تفاصيلها أن مليشيا الحوثي لا تتعامل مع المؤسسات المصرفية باعتبارها أدوات لخدمة التنمية أو الاقتصاد الوطني، بل كخزائن شخصية يجري تفريغها تحت مسميات رسمية.


وما لم يكن هناك موقف واضح من المجتمع الدولي والجهات الرقابية، فإن ما تبقى من أعرق بنك يمني قد يندثر في إطار مشروع عبثي لا يرى في المال العام سوى غنيمة حرب. بحسب المصادر.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية