جمالية مهرجان الأغنية الوطنية!
من الأفكار السبتمبرية البراقة التي تزامنت مع العيد الثالث والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر إقامة مهرجان الأغنية الوطنية 2025 في مدينة تعز تحت شعار «مدارس تغني للوطن».
لم تختزل غاية المهرجان في عمل ظاهرة صوتية لحظية مزامنة لذكرى وطنية، بل كانت الغاية تحديد دواعي العمل ودوافعه ورسم نتائج يجب تحقيقها منه، فاستشعار دور الأغنية الوطنية في الوعي الجمعي لدى أهم شريحة مجتمعية كطلاب المدارس، ومدى فاعلية إعادة التواصل والصلة بين هذا الجيل وتقوية الانتماء وغرس جذور الولاء في أعماق وعيهم ومشاعرهم، وتعزيز أهمية ارتواء هذا الجيل من محيط الثوابت الوجودية الوطنية.
فهذا الجيل بحاجة إلى تأهيل وصقل وطني، بحاجة إلى حماية فكره ومشاعره من أية تشوهات يفرزها الواقع السياسي المضطرب والهشاشة اللحظة المجتمعية المتفشية التي يظهر قصورها في ملامح تنشئة جيل مدرك للمخاطر والتحديات التي تهدد حاضره ومستقبله، وأول وسيلة لتمكينه من التغلب عليها تتمثل بترسيخ القيم والمعاني والدلالات الجمهورية، واستلهامها في هذا السن من الأغنية الوطنية كصانعة للوجدان اليمني بلا منازع.
وكان استحضار الأغنية الوطنية وإحياؤها واستعادة روحها بأصوات جديدة إعلاءً من شأنها وتقديرًا لقيمتها، واتخاذها فعل صد مقاوم للفكر السلالي الحوثي باعتبارها خلاصة مثالية لليقين الوطني والتجسيد النموذجي المسموع المترجم للأحلام والآمال والانتصارات التي حققها الأسلاف وعلينا حراسة كياناتها والإحساس بحقيقة التضحيات التي قدمت حتى بلغنا هذا المستوى من تأدية دور فعال في إبقاء تلك المكاسب ثابتة، وكون ثباتها يمثل بقاءنا متحصنين وآمنين تحت ظلالها ومعانيها.
وبالنسبة لتفاصيل المهرجان ونشاطاته وجزئيات إقامته فكانت منسقة ومتناسقة وبمظاهر مدهشة، سواء في المدة الزمنية أو في المشاركات المقدمة أو في تحديد فئات التنافس وتوزيعها بين أفضل أغنية جديدة، وافضل أداء جماعي، افضل صوت فردي، أفضل كلمات وطنية، أفضل لحن وتوزيع، هذه التقسيمات تؤكد أن الفكرة حملت في طياتها عمقًا فنيًا وطموحًا فعليًا في ترك بصمة فنية معرفية لدى المستهدفين، والارتقاء بمواهبهم وذائقتهم، وتنمية قدراتهم في إدراك الجماليات الفنية الأدائية والموضوعية، مما لا يجعل مشاركاتهم مجرد إسهام وحضور عابر بل تأسيسًا لاكتشاف وصقل مواهب جديدة، وتحفيزها على الثقة بملكاتها وتعزيز قيمة الفن كوسيلة رقي ثقافي ومعرفي ووطني يجب تكريس حضوره في الواقع كسمة حضارية مدنية تهذب الروح وتغذي الوعي وتصنع جيلًا قيمًا.
ورغم بساطة المهرجان وضيق وقته والاستعداد له إلا أنه كان ناجحًا ملهمًا مثيرًا للإعجاب والشغف، حقق حضورًا جماهيريًا وكسر حاجر الرتابة والملل واليأس لكيفية إحياء المناسبات الوطنية وطبيعة الاحتفاء بها، كما يعد نشاطًا تربويًا وطنيًا وفنيًا وإعلاميًا مختلفًا ولافتًا، جمع إسهامًا مشتركًا بين مكتب التربية بتعز ودعم وتغطية قناة الجمهورية وهندسة وتنفيذ مؤسسة المدينة الفنية والإعلامية كمثال ناجح للتفكير بإنتاج نشاطات متجددة ملهمة لا البقاء في عزلة التكرار والتقليد.
ومهما تشتت التقدير فإن مجمل استحقاقه منصب للأستاذ والكاتب/ فكري قاسم صاحب الفكرة والمخطط والمنفذ، وهذا جهد مثالي ينم عن حداثة وجمالية وعمق أفكاره وبراعة التقاطاته اللطيفة وإحساسه الوطني بأهمية ترجمة مشاعرنا الوطنية من خلال استلهام كنوزه وجواهره وتجديد مآثره.