تواصل جمهورية مصر العربية، جهودها الجبارة في إحلال السلام بفلسطين، عبر طرق ووسائل متعددة، ونجحت في إفشال مؤامرات تهجير أبناء قطاع غزة، وبدأت تقود جهودًا دولية في إعادة إعمار غزة, بعد رعايتها لاتفاق السلام ووقف الحرب وفقاً لمبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ومع التوقيع على وثيقة اتفاق وقف الحرب في غزة بمرحلته الأولى وفقاً لمبادرة ترامب، تكون مصر قد انتصرت للسلام في المنطقة للمرة الثانية بعد أن نجحت في أكتوبر 1973، في تحقيقه بالحرب والوصول إلى اتفاق كامب ديفيد حينها.

مؤتمر "التعافي"

وبعد يوم واحد من التوقيع على اتفاق وقف الحرب في إطار مؤتمر السلام الذي عُقد في منتجع شرم الشيخ في مصر، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الثلاثاء، إن اتفاق وقف الحرب في غزة يفتح الباب لعهد جديد من السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، معلناً العمل خلال الأيام المقبلة، وبالتنسيق مع كافة الشركاء، على وضع أسس مشتركة للمضي قدماً في إعادة الإعمار للقطاع دون إبطاء، عبر استضافة مؤتمر التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية.

وشدد على أن مصر ستعمل مع الولايات المتحدة، وبالتنسيق مع كافة الشركاء، خلال الأيام المقبلة على وضع الأسس المشتركة للمضي قدماً في إعادة الإعمار للقطاع. وفي هذا السياق تعتزم القاهرة استضافة مؤتمر التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية، في سبيل توفير سبل الحياة للفلسطينيين على أرضهم ومنحهم الأمل.

دور مصر الريادي

وفي لحظة فارقة، تعود شرم الشيخ الواقعة على ساحل البحر الأحمر، لواجهة الأحداث الدولية مع استضافة مراسم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، فبعد مفاوضات دقيقة وضغوط دولية برزت الوساطة المصرية فيها باعتبارها المعنية مباشرة بالقضية الفلسطينية، مستفيدة من علاقاتها مع فصائل فلسطينية ودول إقليمية فاعلة.

واستضاف منتجع شرم الشيخ "الاثنين"، زعماء دوليين كباراً، على رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقادة أكثر من 30 دولة من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والمستشار الألماني فريدريش ميرتس.

ونجحت مصر دبلوماسياً في تنظيم مؤتمر السلام، بالتوقيع على وثيقة اتفاق غزة لضمان إنهاء الحرب في قطاع غزة التي استمرت عامين كاملين خلفت عشرات آلاف الشهداء والجرحى ودماراً هائلاً في القطاع.

ووصف الرئيس المصري التوصل لاتفاق شرم الشيخ "لإنهاء الحرب في غزة"، بـ"ميلاد بارقة الأمل"، في أن يغلق "صفحة أليمة في تاريخ البشرية، ويفتح الباب لعهد جديد من السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، ويمنح شعوب المنطقة، التي أنهكتها الصراعات".

وأكد السيسي، أن السلام خيار استراتيجي لمصر والدول العربية والإسلامية، باعتبار أن التجربة أثبتت على مدار العقود الماضية أن هذا الخيار لا يمكن أن يتأسس إلا على العدالة والمساواة في الحقوق.

أدوار متعددة

يرى مراقبون دوليون، أنه "لا يمكن قراءة دور القاهرة من خلال ما أُعلن مؤخرًا في شرم الشيخ فقط"، بل "يجب النظر إلى هذا الدور بشكل أوسع خلال العامين الماضيين، حيث لعبت مصر أدواراً متعددة وبأشكال مختلفة".

وحسب المراقبين، كانت مصر في بعض الأحيان تحاول إدخال المساعدات قدر الإمكان، لكن الدور الأهم والأبرز يكمن في تمسك مصر برفض فكرة التهجير، وصمودها في هذا الموقف رغم ما كانت تواجهه من ضغوط وأزمات اقتصادية.

وقال ديفيد باتر، الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "تشاتام هاوس"، إن مصر نجحت في إدارة أزمة الحرب في غزة، بما "يتماشى مع سياستها الرامية إلى ضمان أن يكون حل النزاع جهداً جماعياً".

ويعتقد تيموثي قلدس، نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط ومقره الولايات المتحدة، أنه "من وجهة النظر المصرية، فإن أحد أبرز مظاهر التقدم (في شرم الشيخ) هو استبعاد التهجير القسري لسكان غزة إلى مصر".

وأوضح بأن "هذه النقطة لا تتوافق فقط مع ما كانت تطالب به القاهرة، بل تعكس أيضاً نجاحاً دبلوماسياً في دفع ترامب للتراجع عن اقتراحه السابق".

وقال قلدس، إن "مصر، في هذه المرحلة من الاتفاق، حققت بعض أهدافها الرئيسية، من حيث إثبات أهميتها كوسيط، وكحليف استراتيجي في تأمين هذا الاتفاق، وإظهار أن قربها من غزة وعلاقاتها مع حماس جعلتها فعالة ولا غنى عنها في المفاوضات".

من جانبه يقول محمد خيال، الصحفي المصري، إن الدور الأهم والأبرز الذي لعبته القاهرة "يكمن في تمسك مصر برفض فكرة التهجير".

وأكد أهمية دعوة مصر، إلى حوار وطني فلسطيني شامل في القاهرة، لتوحيد الموقف الفلسطيني، ومن ثم التوافق حول القضايا الكبرى، خاصة مستقبل إدارة قطاع غزة ومستقبل القضية الفلسطينية بشكل عام.

وأضاف، في تصريحات صحفية: "يمكن القول إن مصر أعادت ترسيم الخطوط مجدداً فيما يخص دورها وأدوار بعض الأطراف الأخرى في الإقليم".


موقف حازم

وتؤكد التقارير الدولية، أن مصر اتخذت موقفاً حازماً بشأن مصالحها الأمنية الوطنية فيما يتعلق بمفاوضات غزة خلال الفترة الماضية ونجحت في إفشال مؤامرة تهجير الفلسطينيين من القطاع.

وفي هذا السياق أكد محمد قواص، الباحث السياسي المقيم في لندن، أن "الدور المصري أساسي في مصير قطاع غزة منذ عقود، وذلك بسبب الواقع الجغرافي واعتبار القاهرة القطاع جزءًا من أمن مصر الاستراتيجي".

وأشار، في تصريحات صحفية، إلى أن دور قطر وتركيا لم يكن في مراحل معينة من المفاوضات "إلا دوراً تكميلياً للدور المصري، لذا لا يمكن الحديث عن إعادة تموضع، لأن مصر لم تغادر موقعها أصلًا، ولا تستطيع أساسًا مغادرة موقعها الجيوستراتيجي المرتبط خصوصًا بغزة، وبالتالي بالقضية الفلسطينية الشاملة، بما في ذلك العلاقة مع السلطة الفلسطينية".

وقال قواص، إنه "لا ينبغي إغفال أن العديد من بنود خطة ترامب مستوحاة من الخطة المصرية التي قُدمت في مايو 2024، كما أن المراحل المقبلة من الخطة ستتم متابعتها من خلال غرفة عمليات في القاهرة".

إنجاز دبلوماسي جديد

إلى ذلك يرى العديد من الخبراء السياسيين، أن اتفاق شرم الشيخ يعد إنجازاً دبلوماسياً جديداً لمصر وقيادتها السياسية، التي نجحت في التوصل إلى اتفاق حول آليات تنفيذ المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في غزة، بعد مفاوضات شاقة استمرت لأسابيع متواصلة.

ووفقاً للخبراء، فإن الاتفاق الذي أعلن عنه رسميًا من مدينة شرم الشيخ المصرية أمس، جاء تتويجًا لدور مصري متوازن قادته القيادة السياسية بحكمة واقتدار، بهدف حقن دماء الفلسطينيين ووقف آلة الحرب التي أرهقت القطاع وأدخلت المنطقة في دوامة من التوتر المستمر، وجاءت التحركات المصرية لتؤكد مجددًا أن القاهرة لا تتعامل مع القضية الفلسطينية كملف سياسي عابر، بل كقضية وجود وأمن قومي عربي، وأنها تظل اللاعب الأهم في معادلة الشرق الأوسط، القادرة على جمع الأطراف المتنازعة حول طاولة واحدة حين يعجز الآخرون.

وأكدوا بأن المجتمع الدولي بدأ يدرك أن الاستقرار في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه دون القيادة المصرية، وأن القاهرة تمتلك أدوات التأثير والتوازن التي لا يملكها أحد غيرها، وأن هذا النجاح الدبلوماسي يثبت أن مصر قادرة على فرض منطق السلام وتغيير معادلات الصراع، لتظل دائماً بوابة العرب نحو الأمن والاستقرار والتنمية.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية