تحقيق لمجلة بريطانية يكشف عن تحول ناقلة "يمن" الأممية إلى منشأة حوثية لتخزين النفط المهرب
كشفت مجلة لويدز ليست إنتليجنس البريطانية المتخصصة في الشؤون البحرية، في تحقيق استقصائي حديث، عن واحدة من أكثر قضايا الفساد والتواطؤ الأممي إثارة للجدل في اليمن، حيث تحولت الناقلة العملاقة "يمن" (IMO: 9323948) التي اشترتها الأمم المتحدة عام 2023 ضمن مشروع إنساني لتفادي كارثة بيئية في البحر الأحمر، إلى منصة عائمة للحوثيين لتخزين النفط في عمليات تهريب معقّدة تهدف للالتفاف على العقوبات الدولية.
وأشار التحقيق الذي حمل عنوان: "كيف تحولت ناقلة نفط اشترتها الأمم المتحدة إلى منشأة حوثية عائمة لتخزين النفط"، إلى أن الناقلة "يمن" التي كان يفترض أن تكون رمزًا للتعاون الدولي لمنع تسرب نفطي من السفينة المتهالكة صافر، لتكون اليوم أحد أهم الأصول الاقتصادية لدى مليشيا الحوثي، حيث تُدار فعليًا من مناطق سيطرتها، فيما لا تزال الأمم المتحدة تمول تكاليف تشغيلها الشهرية التي تصل إلى 450 ألف دولار.
وبعد أشهر فقط من اكتمال عملية التفريغ، بدأت السفينة تظهر في بيانات التتبع وهي تُجري عمليات نقل بين السفن، من سفينة إلى سفينة (STS) لشحنات من الوقود. وبحسب المجلة، فإن هذه العمليات نُفذت تحت سيطرة مليشيا الحوثي، فيما اكتفت الأمم المتحدة بدور "استشاري إشرافي"، دون سلطة فعلية على ما يجري على متن السفينة.
- شبكة تهريب معقّدة بغطاء أممي
تُظهر بيانات "لويدز ليست" أن السفينة "يمن" أصبحت محور شبكة تهريب نفطي تُستخدم فيها ناقلات خاضعة للعقوبات، مثل الناقلة "فالنتي" و"سافيتري" و"موديستي".
هذه السفن تُجري عمليات نقل نفط من وإلى "يمن" في مناطق نائية من البحر الأحمر، مستخدمة تكتيكات تمويه مثل إيقاف أنظمة التعريف التلقائي (AIS) أو تغيير الأعلام لتجنب الرقابة الدولية.
ورصد التحقيق ما لا يقل عن ثلاث عمليات نقل نفط إلى السفينة "يمن" بين مارس 2024 ويونيو 2025، شاركت فيها سفن متعددة خاضعة للعقوبات:
في 27 مارس 2024 وصلت الناقلة فالنتي (IMO: 9298272) والتي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات في 20 يونيو 2025، إلى السواحل اليمنية محمّلة بنحو 410 آلاف برميل من وقود الديزل، وأجرت عملية نقل إلى "يمن" لينخفض بعدها غاطسها من 14 إلى 11.3 مترًا، ثم واصلت تفريغ حمولتها في ميناء رأس عيسى الذي يسيطر عليه الحوثيون.
وفي أكتوبر 2024، أفرغت الناقلة سافيتري (IMO: 9289752) التي أدرجتها بريطانيا والاتحاد الأوروبي على قوائم العقوبات بين نوفمبر 2024 ومايو 2025، نحو 460 ألف برميل من وقود الديزل إلى الناقلة العائمة "يمن".
وتولت الناقلة مودستي (Modesty) التي ترفع علم غامبيا، وكانت تُعرف سابقًا باسم "مانتا" العملية الثالثة، وكانت الولايات المتحدة فرضت عليها عقوبات في أكتوبر 2024 بسبب ارتباطها بشبكة تمويل يقودها الممول الحوثي البارز سعيد الجمل.
وتشير بيانات الأقمار الصناعية إلى أن "موديستي" أجرت عملية نقل سرية شمال قناة السويس قبل توجهها إلى اليمن، ما يؤكد أنها كانت تحمل شحنة نفط روسي.
فيما أظهرت بيانات الملاحة الأخيرة أن السفينة تشارمينار (IMO: 9318022) المرتبطة برجل الأعمال الإيراني حسين شمخاني ترسو، منذ أواخر سبتمبر 2025، على بُعد ميلين بحريين فقط من الناقلة "يمن"، محمّلة بوقود ديزل، في مؤشر على عملية نقل وشيكة جديدة.
- أموال أممية في خزينة مليشيا الحوثي
رغم نقل الملكية رسميًا إلى شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج (Sepoc) التابعة للحكومة اليمنية الشرعية، فإن السيطرة الفعلية على السفينة "يمن" والسفينة القديمة "صافر" لا تزال بيد الحوثيين.
وبينما يؤكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه لا يدير السفينة فعليًا، إلا أنه يواصل دفع التكاليف التشغيلية الشهرية، التي تشمل رواتب الطاقم والتأمين والصيانة.
والمفارقة أن تمويل المشروع جاء من تبرعات دولية تجاوزت 129 مليون دولار، شاركت فيها دول مثل هولندا وألمانيا والسعودية والولايات المتحدة، إلى جانب شركات وأفراد من مختلف أنحاء العالم، بينهم طلاب مدارس شاركوا في حملة "أنقذوا البحر الأحمر" التي أطلقتها الأمم المتحدة. إلا أن هذه الحملة، بحسب التحقيق، انتهت عمليًا بتمويل الحوثيين ومساعدتهم على تجاوز العقوبات وتعزيز تعاونهم مع إيران.
- انتقادات حادة واتهامات بالتواطؤ والفشل
يصف الخبير البحري إيان رالبي، ما حدث بأنه "خطة حسنة النية سيئة التنفيذ"، مضيفًا: "الأمم المتحدة جمعت الأموال من العالم لإنقاذ البحر الأحمر، لكنها في النهاية قدّمت هدية استراتيجية للحوثيين".
أما الباحثة اليمنية ندوة الدوسري، فاعتبرت أن "الحوثيين يحتجزون السفينتين كرهائن"، مؤكدة أن الأمم المتحدة "عاجزة عن فرض أي رقابة أو منع استخدام الناقلة لأغراض تجارية غير مشروعة".
وتلفت المجلة إلى أن القصف الأمريكي والإسرائيلي الذي دمّر خزانات النفط في ميناءي رأس عيسى والحديدة عامي 2024 و2025، جعل من "يمن" خيار الحوثيين الوحيد للتخزين البحري.
وبذلك، تحولت مبادرة الأمم المتحدة من مشروع بيئي إلى مورد اقتصادي حيوي يدرّ أرباحًا عبر تجارة النفط غير القانونية، ويُستخدم لتأمين الإمدادات للمناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا.
وتقول "لويدز ليست"؛ إن حجم ما خزنته "يمن" من شحنات الوقود تجاوز مليون برميل خلال 18 شهرًا فقط.
- من مشروع بيئي إلى فضيحة أممية
تتحول قصة "يمن" إلى نموذج صارخ لفشل إدارة الأمم المتحدة لمشاريعها في مناطق النزاع. فبدلًا من أن تكون مبادرة بيئية لحماية البحر الأحمر، أصبحت الناقلة أداة اقتصادية بيد مليشيا مصنّفة منظمة إرهابية، لتُمكّنها من الالتفاف على العقوبات وتمويل عملياتها العدائية ضد اليمنيين ومصالح العالم.
كما تكشف عن استغلال الحوثيين المتزايد لأي فراغ رقابي أو دعم إنساني لتوسيع شبكاتهم الاقتصادية، مدعومين من إيران في تحدٍ مباشر للعقوبات الدولية والقرارات الأممية.
ويرى مراقبون أن هذه القضية مرشحة لتكون أحد أكبر إخفاقات الأمم المتحدة في اليمن، وربما تفتح الباب لتحقيقات دولية حول سوء إدارة أموال المانحين، واستخدام التمويلات الإنسانية للتغطية على أنشطة غير مشروعة تخدم جماعات مسلحة خارجة على القانون.