ذريعة بلهاء يصنعها الحوثي للتغطية على هزائم الاختراق الأمني وانكشاف عورة أنظمته الأمنية التي أودت بجل قيادته، حيث لم يجد خيارًا مناسبًا لاحتواء الفضيحة إلا بتلفيق التهمة لموظفي برنامج الأغذية العالمي واليونيسف، واعتبارهم وسيلة التجسس الاستخباراتية المثالية التي مكنت الكيان الصهيوني من تحديد مكان وتوقيت اجتماع حكومته من خلال المعلومات المرسلة من قبل الخلية المتسترة ببرنامج الغذاء العالمي.


لم تأتِ هذه الذريعة كتهمة عابرة وردة فعل بائسة بل ظهرت في خطاب عبدالملك الحوثي كحقيقة مطلقة ونتيجة مؤكدة غير قابلة للشك أو التكذيب، مع الزعم بوجود أدلة دامغة تثبت صحتها والتي ستقتصر _ كما هو معروف _ على الاعترافات الإجبارية المسجلة للمختطفين التابعين للبرنامج، إذ يتخذها الحوثي كوسيلة قطعية لإدانة أي متهم وتأكيد جنحته. 


كما أنها لم تكن وليدة اللحظة فقد كان التلويح الحوثي بها منذ فترة طويلة سابقة، وتبنى جهازه الإعلامي ترديد هذه الشائعة وتسويقها في مختلف أدواته، وزامنها تضييق الخناق على العاملين في البرنامج، واختطاف أكثر من خمسين منهم على فترات متقطعة من بينهم مسؤول الأمن والسلامة التابع للبرنامج فرع اليمن وبعض مساعديه من الخبراء والمهندسين. 


وبعد الخطاب الأخير لزعيم الجماعة قامت عناصر مسلحة تابعة لأجهزته الاستخباراتية بالتهجم على المجمع السكني التابع للبرنامج في صنعاء، ومحاصرته، ونهب محتوياته والشروع بإجراء تحقيقات أمنية مع كل الموظفين فيه، وعدم السماح لهم بمغادرة المبنى منذ يومين، مما ضاعف المخاوف من إقدام الجماعة على خطوة متقدمة وتنفيذ عملية إعدام جماعي لمن في قبضتها من المختطفين كإثبات فج لمصداقيتها أمام أتباعها وخصومها. 


لكن اللافت في الأمر أن كل المختطفين يمنيون، ولم يشمل الشركاء الأجانب في البرنامج، رغم أنه ما يزال يقيم أكثر من خمسة عشر منهم في صنعاء، ولم يشملهم ذلك الانتهاك الحوثي، وهذا يفسر ردة الفعل الباهتة من قبل الأمم المتحدة حيث يعد البرنامج أحد أهم الأنشطة التابعة لها في المجال الإنساني، ولم تصدر عنها بيانات أو خطوات شديدة التأثير لضمان سلامة المختطفين وحماية كل العاملين باعتبارهم تحت رعايتها. 


كما تتردد الشكوك حول جدية نوايا البرنامج في اتخاذ خطوات عقابية تنهي عمله في مناطق الحوثي رغم التصريحات المتتالية لمسؤوليه بإنهاء فترة وجوده، لكنه في الواقع ما يزال مستمرًا في عمله رغم المضايقات والخلافات الحادة بين البرنامج والحوثي حول توزيع النسب ووضع الاستحقاق للمستهدفين وطرح الحوثي لكثير من الشروط الخاصة به كأساس لنشاطه، بعد فشل خطة جمع بيانات المستحقين عبر وسطاء محليين، وقيام الحوثي بإغلاق مقراتها، مما يجعل الجميع متورطًا بفساد كبير إبان تقويض كل اللوائح والعمل من دون منهجية واضحة.

 
ومهما تباينت العلاقة بين برنامج الأغذية والحوثي إلا أن اتهام الأخير لعناصره بالتجسس لصالح إسرائيل وأمريكا سيؤدي إلى إنهاء البرنامج لكل نشاطاته وانسحابه دون تردد، وسيكون لردة فعله تلك انعكاسات خطيرة سيدفع ثمنها المعدمون المعتمدون على ما يقدمه من إعانات غذائية شهرية كانت بمثابة خط الدفاع الأخير الذي يحرسهم من الموت جوعًا، ولن يأبه الحوثي بمخاطر هذه المغامرة المجنونة التي ستكون بمثابة انتحار له وللشعب القابع في نطاق سيطرته.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية