في كلمة هي الأكثر وضوحًا من حيث الرؤية والرسائل منذ توليه منصب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رسم الفريق الركن طارق صالح ملامح مرحلة جديدة من عمل المقاومة الوطنية، تقوم على ثلاث ركائز: الجاهزية العسكرية، والوعي السياسي، ووحدة الصف الجمهوري؛ لمواجهة مشروع الميليشيا الحوثية المدعومة من إيران.

خلال زيارته للواء السابع عمالقة في الساحل الغربي، تحدث طارق صالح بلغة القائد الذي يرى في الميدان منطلقًا لقراراته، مؤكدًا أن المقاومة الوطنية تواصل تعزيز جاهزيتها القتالية برًا وبحرًا بهدف استعادة الدولة وإنهاء سيطرة الميليشيات.. وأشار إلى أن "الحوثيين لا يؤمنون بلغة الحوار، وأن السلام لا يتحقق إلا بقوة قادرة على اقتلاع الفئة الباغية".

ما يلفت في الخطاب هو تركيزه على تطوير القدرات البحرية للمقاومة الوطنية، وهو بعد استراتيجي يعكس وعيًا عميقًا بطبيعة التهديدات التي تواجه اليمن والمنطقة.. كون البحر الأحمر لم يعد مجرد ممر تجاري، بل تحول إلى ساحة صراع بين قوى إقليمية ودولية، فيما تحاول الميليشيا الحوثية تحويله إلى ورقة ضغط لصالح طهران.

وفي دليل ملموس على هذا الدور، كشف طارق صالح عن ضبط شحنتين بحريتين تحتويان على قرابة ثلاثة ملايين صاعق، وفتائل متفجرة، مما يؤكد الدور الحيوي الذي تضطلع به قواته في حماية السواحل اليمنية وقطع طرق تهريب الأسلحة الإيرانية.

كما تجاوزت رسالته الجانب العسكري إلى التأكيد على الجبهة الداخلية، حيث حذر من خطر الشائعات وحملات التضليل التي تستخدم فيها الميليشيا الحوثية أدوات الذكاء الاصطناعي لتزييف الحقائق وإضعاف الروح المعنوية. هذا التحذير يعكس إدراكًا واضحًا لطبيعة المعركة الحديثة، التي لم تعد تُخاض بالسلاح وحده، بل أيضًا عبر الحرب الإعلامية والنفسية.

وأكد الفريق طارق صالح أن "قضيتنا واحدة وهدفنا واحد: تحرير اليمن من مليشيات إيران"، رافضًا أي دعوات مناطقية أو حزبية تهدف إلى تمزيق الصف الوطني. هذا الموقف ليس سياسيًا فحسب، بل هو رد صريح على محاولات تفكيك الجبهة المناهضة للحوثي عبر إثارة الانقسامات.. وجاءت عبارته الحاسمة: "اليمن سيبقى جمهوريًا، وراية الجمهورية ستظل خفاقة" لتلخيص مشروعه الوطني القائم على إحياء الهوية الجمهورية في مواجهة المشروع الإمامي الإيراني.

ولم يغفل طارق صالح البعد الإقليمي للصراع، حين أشار إلى أن الحوثي "قدّم ذريعة لإسرائيل لاستهداف اليمن وتدمير مقدراته بدعوى مناصرة فلسطين"، مؤكدًا أن المشروع الإيراني هو الخطر الأكبر على قضايا الأمة. كما أشاد بالدور العربي الداعم للسلام، لا سيما من السعودية ومصر وقطر والإمارات، معتبرًا أن هذه الدول تمثل محور الاستقرار في مواجهة الدمار الذي تزرعه إيران وميليشياتها في المنطقة.

ما يميز كلمة طارق صالح هو تجاوزها خطاب الفصائل والمناطقيات إلى خطاب الدولة بمفهومها الشامل.. القائد الذي كان يخاطب مقاتليه، كان في الوقت نفسه يوجه رسائل إلى الداخل اليمني والعالم: بأن المقاومة الوطنية لم تعد مجرد قوة عسكرية، بل مؤسسة وطنية منظمة تمتلك رؤية واضحة ومشروعًا جمهوريًا جامعًا، وتؤمن بأن السلام العادل لا يتحقق إلا بقوة تحميه وتفرض شروطه.

بهذا الخطاب، وضع طارق صالح حدًا فاصلًا للتأويلات حول موقع المقاومة الوطنية في معادلة الصراع في اليمن، مؤكدًا أن التحرير، والوعي، والوحدة هي ركائز المرحلة القادمة.. وفي زمن تتقاذفه المشاريع الصغيرة والانقسامات، بدا صوته مختلفًا؛ صوتًا يذكر اليمنيين بأن الجمهورية لا تموت ما دام في الميدان رجال يؤمنون بها ويحملون رايتها بثبات وإصرار.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية