يقف تاريخ اليمن وإرثه الحضاري والثقافي اليوم في أحلك الظروف مواجهاً صلف المليشيا وأطماعها المنجرفة في مزيد من الانتهاكات التي لم يكن يُتوقع أن تطال حتى تاريخ اليمن، لكن في عالم المليشيا كل شيء وارد، وما بقي بعيد عن التكهنات تفعله المليشيات الإرهابية بالجُرم الذي يجرح الإنسان والهوية والتاريخ، وحتى قيم الدين والمجتمع.

 

مؤخراً تجاوز الجشع الحوثي حده، وارتفعت حالة السطو الكهنوتية على جوانب في التاريخ والهوية اليمنية. تقاسمت محافظتي الحديدة وذمار هذه الجريمة الرامية لطمس الماضي، وبناء حاضر بمعالم الطائفية والأفكار الإيرانية المستوردة، ومحو كل ما له صلة بتاريخ اليمنيين وأصالتهم.

 

كان متحف بنيون الأثري في مديرية الحداء بمحافظة ذمار، مطلع الأسبوع الجاري، على موعد مع عملية نهب حوثية موسعة وتدمير ممنهج لأقسام ومحتويات المتحف، وقد نهبت على إثر تلك العملية قطع أثرية وكتب تاريخية، وأتلفت الصور التاريخية المُعلقة على واجهات المتحف، مستبدلةً إياها بصور تابعة لقتلاها والهالكين من عناصرها المتمردين.

 

وطبقاً لمصادر مطلعة فإن المليشيات أفرغت مكتبة تاريخية في المتحف، كانت تضم مخطوطات تاريخية، وكتب، وموروثات شعبية تقليدية، وتم نقلها إلى أماكن سرية عبر عناصر حوثية، يرجح أن تكون نحو العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة المليشيا نفسها.

 

وتبين العداء الحوثي للجمهورية، وثورة السادس والعشرين من خلال الحملة الشعواء التي نفذت عبر عناصر المليشيا في إزالة الصور الخاصة بثوار ورموز الثورة، والشعارات الثورية التي استخدمت إبان الانتفاضة ضد نظام الإمامة عام 1963م، ثم عملت على استبدال تلك الصور بصور قادتها الكهنوتيين.

 

همجية الحوثيين، لم تتوقف في ذمار فقط، سبقها الحديدة أيضاً، خاصة مديرية زبيد التي تمثل عمقاً تاريخياً لليمنيين، وتعرف بأنها ‘‘مدينة العلم والعلماء‘‘، ورغم أصالتها التاريخية وارتباطها الوثيق بالتاريخ القديم والحديث لليمنيين، إلا أن المليشيا لا تعطي حسابا لهذه الفوارق، بل تمضي في مهمتها الرامية لمحو هذه القيمة التاريخية والحضارية.

 

مسعى الحوثيين هذا، نُفذ على مكتبة زبيد الواقعة في أصل القلعة التاريخية المعروفة، وقد نهبت الكثير من المخطوطات التاريخية والإسلامية، وكتب الفقه والحديث، والصحف المخطوطة يدوياً والتي يعود تاريخها إلى مئات السنين، من بينها ما يعود إلى القرن الثالث عشر حتى القرن الخامس عشر عندما كانت في أوج ذخرها.

 

وطبقاً لسكان محليين في المدينة، فإن المليشيا الإرهابية، نهبت أيضاً الإنارات الخاصة بالمكتبة ومولدها الكهربائي، وبعض النوافذ والأبواب الداخلية. مشيرين إلى أنها تعرضت للتخريب في بعض من أروقتها. وزادوا أن المليشيات داهمت منازل أعيان في المدينة وبعض المهتمين بالتاريخ ونهبت منها كماً من الكتب.

 

لم تسلم إذاعة الحديدة أيضاً من هذا الفعل الرجعي، فراح مشرفو الانقلاب يلهثون وراء أرشيفها الذي يحمل قيمة معنوية وحضارية، نهب أرشيف الإذاعة الذي يزيد عمره عن 55 عاما، ونقل على متن عربة حوثية نحو مديرية باجل تمهيداً لإتلافه والقضاء عليه.

 

ولا تدرك الجماعة الانقلابية المدعومة من إيران، أن تاريخ اليمن لا يطمس بمثل هكذا تصرفات، وإن كان كذلك لما احتفظت البلاد بإرث يضرب في عمق التاريخ، وآثار مخلدة تحفظ هوية اليمن، وتبين أن حضارته وتاريخه من العوامل الثابتة التي لا تتغير مهما كانت الأفعال والأهداف.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية