ست بنات يعشن على أمل عودة غائب طال انتظاره.. منذ ستة شهور وهن يترقبن صباح مساء في كوخ من القش غرب بيت الفقيه بألم وحنين وبكاء جدة يشطر الحزن قلبها إذا ما تذكرت ابنها الراحل.

 

وحيثما تكون المأساة يكون الواجب في الحضور قد استدعى محرري "وكالة 2 ديسمبر" لنقل ما يعيشه الناس من ويلات الحوثيين، فكان المستقر هذه المرة في منطقة الطور على الشاطئ حيث نصبت بنات "وهيب" كوخا يأوين فيه عذاب الزمن وشقاءه.

 

التقى محرر الوكالة ضحى اليوم ست فتيات في عمر الزهور هن سهام (١٢سنة) وأحلام (١٠سنة)، وإلهام (٨سنوات) وآمنة (٦سنوات) وملوك (٤سنوات)، والرضيعة أجمال ذات العام الواحد، حينما كن يلهين على كثبان الرمل المحيطة بكوخهن، ومن هنالك بدأت خيوط القصة الحزينة تنسدل بتفاصيل البكاء.

سألنا عن أم هؤلاء البنات لكنها كانت تتوارى في الداخل وترفض الظهور، غير أن صوت بكائها كان يُسمع حتى بدا البحر مخيفا أمام امرأة جار عليها الزمن منذ أن تسلط الموت على روح زوجها.

 

قبل ستة أشهر كان وهيب حسن المولود في ثمانينيات القرن الماضي يغادر فجرا مسجد الطور قاصدا البحر كما اعتاد منذ صغره، سلم على بناته وأمه الحاجة كرامة وودعهن، واصطحب معه ابنه الوحيد ذا العشرة أعوام ليعينه على نشر شبك الصيد ورفعه إلى القارب..

 

ذهب وهيب وبعد نصف ساعة من خروجه من كوخه، دوى انفجار ولاحظ الأهالي نارا تتقد في عرض البحر فهبوا لمعرفة ما حدث، وهنا كانت المصيبة.. لقد انفجر لغم بحري حوثي بقارب وهيب فأحاله إلى قطع صغيرة ومزق أشلاء الرجل وابنه.

 

وعندما هب أهل القرية إلى البحر للإنقاذ لم يجدوا إلا أشلاء من جسده طفت على الماء وما تبقى منه وابنه ضاع في اليم فكانا "أول شهيدين من أهل القرية لم نستطع أن نقبرهما" كما يقول فتيني شقيق الراحل وهيب لمحرر الوكالة.

 

كان فتيني يسحب قطعة من قارب الصيد ونحن نرقبه، وهي كل ما بقي له من ذكريات شقيقه، أما الأم كرامة فليس لها إلا بطاقة شخصية تدسها في صدرها منذ أن قتل ابنها وتُخرجها لتتأملها بين الحين والآخر فتجهش بالبكاء، وسهام الصغيرة تحتفظ بثوب أبيها الذي ترتديه لتشعر بالحنين الذي ضاع في سرداب الموت.

تقول الأم " كان حنون ما يرد لي طلب، يا رب دخله الجنة وارحمه، الله ينتقم من اللي قتله"، وقبل أن تكمل حديثها ذرفت دموعها قهراً فسقطت مغشيا عليها.

 

ودعنا بنات وهيب ولم نستطع أن نفعل لهن شيئا سوى مشاركتهن الألم.. غادرنا ونحن نعاود النظر من سيارتنا لست بنات أحالهن الحوثي إلى يتيمات يلوِّحن لنا بأيديهن وبين ضلوعهن مأساة لا يقوى على حملها بشر.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية