يطول انتظار نازحي الحديدة في المخيمات وأماكن التشرد من يرأف بهم ويعينهم في ساعة العُسرة، لينفضوا عن وجوهم ولو جزءاً من الغم والمعاناة التي علقتها المليشيا الكهنوتية حتى على أهدابهم، فلا نظرة يسترسلون بها في العراء إلا وتحمل في باطنها الكثير من الكمد؛ وفي منازل الضياع وبقاع العزلة تتعمق أوجاعهم وتبث شكواهم إلى منظمات العالم فلا يجيبهم أحد سوى الهلال الأحمر الإماراتي ومركز الملك سلمان اللذان يحضران عندما يغيب الجميع.

 

وأمام زحمة المخاوف وهواجس القلق التي تعتري النازحين في مخيمات الريف الحديدي، تظهر الحاجة الملحة لحضور المنظمات الإغاثية الدولية لرفدهم بالمعونات، خاصة وأن هذه المنظمات تتحصل على ملايين الدولارات لتنفذ فيها مشاريع إنسانية، عوضاً عن كون الوضع الإنساني للنازحين يحتاج لمزيد من الدعم بالذات مع حلول شهر رمضان الذي سيشكل مصادفة مأساوية تقترن بواقعهم المُر.

 

ازدواجية الكارثة بين الفرار إلى المجهول والنقص في المساعدات الإنسانية سيخلف خريفاً قاحلا على النازحين، وهم أمام شهرٍ تلزم الحاجة فيه لكثير من الغذاء والرعاية والدعم؛ إنما الواقع في ظل التباطؤ الدولي ودعم المتضررين من حرب المليشيا رغم الصيحات المدوية المطالبة بالدعم تجعل من صوت النازحين كمن يصيح ولا حياة لمن ينادي.

«وكالة 2 ديسمبر» أرسلت محررها لتقصي أوضاع النازحين قبيل أيام من حلول شهر رمضان الكريم، ورغم أن الحال بائسة في الخيام المنصوبة على الرمال الجافة، إلا أنه لا تخلو خيمة من مساعدات إماراتية يتحصل عليها النزلاء باستمرار ضمن الدعم الإغاثي الإماراتي المنتظم.

 

بالمصادفة التقى المحرر وردة، التي يظهر عليها مزيج من التعب والمعاناة وهي في الثلاثينيات من العمر يبدو عليها أنها في الخمسين لكثر همومها، سألها عن المساعدات التي يتلقونها من المنظمات الإغاثية، أجابت "ما حد يعطينا إلا الإمارات يعطونا شهرياً طحين وزيت وطبيخ (معلبات)".

ومثل وردة ترى زينب التي فرت قبل عام من منطقة الجبلية مع خمسة أبناء كلهم أطفال، إن "حاجة الناس للأكل كبيرة، الناس محتاجين يأكلوا ويشربوا، ويشتوا دفاء (ملابس وفرش)، وما حد يلفت لهم إلا التحالف".

 

ويقف الحاج سالم يومياً في الطريق القريب من مخيم آل جابر على المفترق المؤدي من الخوخة إلى حيس بحسرة، سئل عن وقوفه في هذا المكان، قال إنه ينتظر لجنة تابعة للأغذية العالمي يعدونه أنها ستأتي منذ شهر لتسجيل أسمائهم ودعمهم بالإغاثة، لكنه انتظار يدوم في عز الظهيرة دون جدوى.

 

عشرات الأطفال يلهون في مخيم الحيمة في الرمال المكومة في المكان، يتظاهرون بالفرح لكن معاني الحزن تبدو على وجوههم، مثلهم نساء يأملن بلحظة فرح في دار النزوح حيث لا يزورهم إلى العناء والكمد، أما الرجال فحالهم بادٍ عليه القهر لكونهم تركوا أملاكهم وديارهم مفتوحة يستبيحها الحوثي منذ أن طردهم منها.

 

ستفيض مخيمات النزوح بالجوع لو لم يكن الهلال الأحمر الإماراتي قد تكفل بدعمها على نحو دوري، لكن هذا الدعم الذي يتعدى حدود العطاء إلى مستوى السخاء يُقابل بحالة من الهدوء والجمود والتباطؤ من قبل المنظمات الدولية التي لا تحرك ساكناً أمام جوع اليمنيين، بل تنتظر إلى حين يقضمهم الموت لتكتب البيانات عنهم.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية