لم يتوقع المواطن عبد الجليل ذو السابعة والثلاثين من العمر أن يعود من متجرٍ لبيع المواد الغذائية وهو خالي الوفاض إلى اسرته التي وعدها بتوفير الدقيق، بعد أن ظل نحو أسبوعين يجمع المال لشراء كيس دقيق لزوجته وخمسة من ابنائه سيتضورون جوعاً بعد أيام إن لم يجلبه لهم.

 

ويدرك عبد الجليل أن سعر الدقيق الذي وجده قبل أسابيع بـ12500، وأصبح اليوم بـ14 ألف ريال، سيزيد سعره غداً أو بعد أيام بلا شك في مقابل هذا التصعيد الضريبي من قبل الحوثيين، وليس أمامه الآن إلا أن يرضى و‘‘يغتنم الفرصة‘‘ لئلا يندم في الغد.

 

سكانٌ كُثر في المدينة التي يقبض عليها الحوثيون بالنار والحديد يعايشون الصدمة يومياً وسط ارتفاع مهول في قيمة المواد الغذائية، الأمر الذي يجعل العيش تحت سلطة المليشيات، أمراً أقل ما يقال عنه أنه ‘‘صعبٌ للغاية‘‘، وكل هذه المعاناة تتنامى كلما فرض الحوثيون ضرائب مالية على التجار والمستوردين، حتى يذهب هؤلاء إلى انتزاعها من المواطنين عن طريق رفع الأسعار.

 

لا يجد التاجر ‘‘م.س.و‘‘ الذي يملك متجراً للتموين الغذائي وسط صنعاء، أي بدائل لتعويض خسائره التي يتلقاها جراء فرض رسوم مالية كبيرة تحت مسمى ‘‘ الضرائب‘‘ إلا أن يرفع أسعار المواد الغذائية كلما تطلب الأمر منه ذلك، وهو بالعادة يدفع الضرائب بشكل سنوي وقانوني، "إلا أن الحوثيين (يجبروننا) بين الحين والآخر على دفع ضرائب اضافية لم نكن نعرفها من قبل‘‘. كما يقول.

 

يرى ‘‘م.س.و‘‘ أن الحالة المعيشية للسكان تتدهور يوماً بعد آخر، والوضع يتقلب من سيئ إلى أسوأ. ويضيف ‘‘لم أرَ في حياتي أسوأ من الحوثيين، تدفع لهم الضريبة القانونية اليوم الأول ويأتون اليوم الثاني يبحثون عن مجهود حربي، تدفع لهم هذا ايضاً، ثم يأتون بأي مبرر لتدفع لهم‘‘.

 

ومع قرب حلول رمضان ارتفعت أسعار المواد الغذائية بصنعاء ومناطق سيطرة الميليشيات الحوثية وتفاقمت أزمة المشتقات والغاز المنزلي لتضيف معاناة أخرى لدى السكان، وتحد من فرحتهم وقدرتهم الشرائية.

كل ما بقي للناس في صنعاء من انطباع عن هذه المعاناة إلا بث الشكوى، فالمواطنة سلوى محمد، موظفة حكومية لا تتسلم راتبها منذ أكثر من 3 أعوام بعد امتناع المليشيات الحوثية عن دفعها وتسخيرها لصالح أتباعها –وهو حال كل الموظفين الحكوميين- أصبحت اليوم في مهمة صعبة لتمضية حياتها وحياة أسرتها التي لا تملك معيلا، وهي امرأة مطلقة وتعيل طفلا وأختيه.

 

تقول: ‘‘لم أعد أهتم إلا للخبز كونه أكثر ما نبحث عنه في هذا الوضع.. أن نوفر القوت الأساسي لعائلتنا فهذا كل ما نتمناه، قطعت المليشيات الحوثية راتبي ورفعت الأسعار وتكاليف المعيشة وأعدمت كل شيء كالغاز والكهرباء والماء، وجعلتنا نصرف تفكيرنا عن مصروفات رمضان وكل ما نتمناه الآن وما ندعو به هو ستر الحال ‘‘.

 

يأمل الناس هناك أن تنقضي هذه المعاناة على أسرع وقت، بينما وتيرتها تتجه في الصعود بما لا يريده المواطنون، ولا يبدو أن المليشيات الحوثية تهتم لأمر الناس على الإطلاق، فهي تفرض الضرائب بشكل دائم والتجار يتقاضونها من الناس فتغض الطرف عنهم.

 

في الوقت الذي يفرض فيه الحوثيون هذه الضرائب ويتاجرون بمعاناة الناس لصالح مجهودهم الحربي، يصادرون أطناناً من المواد الإغاثية المقدمة عبر برنامج الأغذية العالمي والمنظمات الدولية ثما يبيعونها بالسوق للناس وبالسعر الذي يريدون" بحسب ما يؤكده موظف يمني يعمل في ‘‘يونيسف‘‘ باليمن.

 

تطول حياة اليمنيين وقصصهم مع الفقر والتدهور المعيشي، لكن وضعهم في ظل استحواذ المليشيات الحوثية على مقدراتهم حيث مناطق سيطرتهم، أمر فاق المتوقع، فالمجاعة والأمراض والفقر وانعدام حتى مياه الشرب النظيفة، حقائق واقعية بات الملايين منهم يعايشونها يومياً.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية