جاء تسريب المكالمة القديمة بين الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح، ورئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل، كحلقة جديدة في سلسلة محاولات مليشيا الحوثي لتضليل الوعي العام عبر أدوات انتقائية ومبتورة من السياق غرضها تشويه شخصية قائد عربي استثنائي كانت القضية الفلسطينية في صميم أولوياته.

غير أن هذه المحاولة، كما سابقاتها، أخفقت في تحقيق غايتها؛ إذ جاءت النتائج عكسية، وأعادت فتح النقاش حول ثوابت الزعيم صالح القومية وموقفه التاريخي والواضح من القضية الفلسطينية.

المكالمة، التي تعود إلى عام 2008، أُريد لها أن تُقرأ خارج سياقها السياسي والزمني، إلا أن مضمونها كشف بوضوح رؤية سياسية تتعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها ملفًا مركزيًا في الأمن القومي العربي، بعيدًا عن المزايدات أو المغامرات غير المحسوبة؛ إذ كان حديث الزعيم تعبيرًا عن مقاربة سياسية ترى أن حماية الدم الفلسطيني في مقدمة الأولويات.

في جوهر هذه المقاربة، يظهر إدراك مبكر من الزعيم لطبيعة السلوك الإسرائيلي، القائم على استثمار أي تصعيد غير محسوب لتبرير جرائم أوسع بحق المدنيين، خصوصًا في غزة، ولهذا شدد صالح على ضرورة تفويت الفرصة على الاحتلال، وعدم منحه الذرائع التي يبحث عنها لتوسيع رقعة العدوان، وهي رؤية أثبتت الوقائع اللاحقة وجاهتها، في ظل ما يشهده القطاع اليوم من دمار واسع ومأساة إنسانية مفتوحة.

الأهم أن هذه المواقف لم تكن معزولة عن سياق عملي على الأرض؛ فخلال سنوات حكمه، حافظت صنعاء على حضور فاعل في المشهد الفلسطيني، سواء عبر احتضان قيادات فلسطينية، أو من خلال دعم مسارات التوافق والمصالحة بين الفصائل، فضلًا عن العلاقة الخاصة التي ربطت اليمن بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

من هنا، تبدو محاولة التشكيك في موقف الزعيم صالح من القضية الفلسطينية محاولة متأخرة وغير مجدية، لأنها تصطدم بسجل سياسي طويل يصعب القفز عليه أو إعادة تفسيره بمنطق اللحظة، فالقضية الفلسطينية، في حساباته، كانت ثابتًا سياسيًا وأخلاقيًا ظل حاضرًا في خطاب الدولة وممارستها حتى لحظة استشهاده ولم يستخدمها كورقة للمناورة كما تفعل مليشيا الحوثي اليوم في متاجرتها بالقضية الفلسطينية.

وما كُشف عبر هذا التسريب لم يفضح سوى ضحالة الرهان عليه، فقد أعاد التأكيد على أن المواقف الكبرى تُقاس بميزان التجربة الكاملة، وهو ميزان يميل، في هذه الحالة، لصالح موقف واضح ومتسق ومتزن أبداه الزعيم صالح قولًا وفعلًا، تجاه واحدة من أكثر القضايا حساسية في الوجدان العربي.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية