كشفت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية عن فتح الأمم المتحدة تحقيقاً داخلياً حول فساد وسرقة مع عشرة من مسؤولي وموظفي منظماتها في اليمن مع قيادات حوثية،تدينهم بالتكسب غير المشروع.

وأوضحت الوكالة الأمريكية في تحقيق استقصائي نشرته اليوم الاثنين 5 أغسطس، إن محققين من منظمة الصحة العالمية أجروا تحقيقاً عن توظيف أشخاص غير مؤهلين في وظائف ذات رواتب عالية في مكتبها باليمن ، وإيداع مئات الآلاف من الدولارات في حسابات مصرفية شخصية للعاملين، والموافقة على إبرام عشرات العقود المشبوهة مع منظمات داخلية تابعة للحوثيين، دون توفر المستندات المناسبة، وفقدان أطنان الأدوية والوقود المتبرع بها.


وطبقاً لثلاثة أفراد لديهم معرفة مباشرة، تركز تحقيق منظمة الصحة العالمية في عملياتها في اليمن على الطبيب الإيطالي نيفيو زاغاريا رئيس مكتب المنظمة في صنعاء من 2016 حتى سبتمبر 2018.


وجاء الإعلان العلني الوحيد عن التحقيق في جملة مدفونة في 37 صفحة من التقرير السنوي للمدقق الداخلي لعام 2018 للأنشطة في جميع أنحاء العالم. ولم يذكر التقرير زاغاريا بالاسم.

ووجد التقرير الصادر في الأول من مايو الماضي، مخالفات في التوظيف وعقود تم إبرامها دون منافسة ونقص في الرقابة على المشتريات مشيرا إلى أن الضوابط المالية والإدارية في مكتب اليمن كانت "غير مرضية" وهو أدنى تصنيف لها.

وأكد المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، تاريك جاساريفيتش، للأسوشيتد برس، أن التحقيق جار. وأضاف إن زاغاريا تقاعد في أيلول 2018، رافضا الادلاء عن تفاصيل.

وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية: "مكتب خدمات الرقابة الداخلية يحقق حالياً في جميع المخاوف التي أثيرت. يتعين علينا احترام سرية هذه العملية، ولا يمكننا الخوض في تفاصيل مخاوف بعينها."

وذكر أربعة موظفين حاليين وسابقين أن مكتب منظمة الصحة العالمية في اليمن -تحت قيادة زاغاريا- يعج بالفساد والمحسوبية والتعاون مع الحوثيين.

وذكر ثلاثة منهم أن رئيس المنظمة زاغاريا استعان بموظفين مبتدئين -عملوا معه في الفلبين- ورقاهم إلى وظائف ذات رواتب مرتفعة رغم أنهم غير مؤهلين. اثنان منهم حصلا على منصبين مرموقين، وانحصر دورهما في الاهتمام برعاية "كلب زاغاريا"، حسبما قال موظفان.

وقال مسؤول إغاثي سابق، إن "الموظفين غير المؤهلين الذين يتقاضون رواتب مرتفعة يقوضون نوعية العمل ومراقبة المشروعات، ويخلقون ثغرات كثيرة من أجل الفساد".

واعتمد زاغاريا أيضاً عقوداً مشبوهة دون توفير عطاءات تنافسية أو تقديم وثائق إنفاق.

ووفقاً للوثائق الداخلية، تم الاتفاق مع شركات محلية لتقديم خدمات في مكتب عدن التابع لمنظمة الصحة العالمية، تبين أنها تضم أصدقاء وأفراد عائلات موظفي منظمة الصحة العالمية وبتكلفة إضافية مقابل الخدمات.

ووفقاً لما تظهره الوثائق فقد شوهد صاحب شركة يسلم نقوداً لأحد الموظفين،وهي رشوة واضحة.

وقال أربعة أشخاص مطلعين، إن موظفة منظمة الصحة العالمية تدعى تميمة الغولي هي التي أبلغت الحوثيين بأن المحققين كانوا بحوزتهم وثائق تثبت تورطهم في عمليات فساد وسرقة مع عمال منظمات الأمم المتحدة وأنهم مغادرون مع أجهزة الكمبيوتر المحمولة المليئة بالوثائق والسجلات الفاضحة.

وقال هؤلاء الأربعة، إن تميمة كانت تلفق كشوف مرتبات لأشخاص وهميين أو لا يعملون في المنظمة. وقالوا إن من بين أولئك زوجها، وهو قيادي حوثي كبير.

وفي عهد زاغاريا، استخدمت أموال المساعدات المخصصة للإنفاق خلال حالات الطوارئ مع القليل من المساءلة أو المراقبة، وفقاً للوثائق الداخلية، وبموجب قواعد منظمة الصحة العالمية، يمكن تحويل أموال المساعدات مباشرة إلى حسابات الموظفين، وهو إجراء يهدف إلى تسريع شراء السلع والخدمات وسط الأزمة.

وتقول المنظمة إن هذا الإجراء ضروري لمواصلة العمليات في المناطق النائية، لأن القطاع المصرفي في اليمن لا يعمل بشكل كامل.

ونظراً لأنه من المفترض أن تكون هذه العملية مقصورة على حالات الطوارئ، فليس هناك شرط بأن يتم تحديد الإنفاق على هذه التحويلات المباشرة؛ إذ وافق زاغاريا على التحويل المباشر للأموال بقيمة إجمالية مليون دولار لبعض الموظفين، كما نصت الوثائق.

وبحسب "اسوشييتد برس" في أكتوبر 2018، كان محققو الأمم المتحدة المجتمعون في مطار صنعاء يستعدون للمغادرة بأدلة ثمينة: أجهزة الكمبيوتر المحمولة ومحركات الأقراص الخارجية التي تم جمعها من موظفي منظمة الصحة العالمية والتي تحتوي الأدلة على الفساد والاحتيال داخل مكتب وكالة الأمم المتحدة في اليمن والتعاون مع مليشيا الحوثي.

 


لكن قبل أن يتمكنوا من الصعود إلى الطائرة، هرعت عناصر من مليشيات الحوثي وصادرت أجهزة الكمبيوتر، وفقاً لما ذكره ستة من مسؤولي الإغاثة السابقين والحاليين.

 

إلى ذلك قال نشطاء يمنيون لوكالة سوشييتد برس إن الإجراءات التي اتخذتها وكالات الأمم المتحدة مرحب بها، لكنها لا ترقى إلى مستوى التحقيقات اللازمة لتتبع ملايين الدولارات من الإمدادات والأموال من برامج المساعدات التي فقدت أو تم تحويلها إلى خزائن المسؤولين الحوثيين.

خلال الأشهر الثلاثة الماضية، كان النشطاء يطالبون بتحقيق في شفافية المساعدات في حملة على الإنترنت بعنوان "#وين_الفلوس؟" ويطالبون الأمم المتحدة والوكالات الدولية بتقديم تقارير مالية حول كيفية تدفق مئات الملايين من الدولارات على اليمن منذ عام 2015 وكيف تم إنفاقها.

ويقول منتقدون إن هذا الفساد يهدد شريان الحياة الدولي الذي تعتمد عليه غالبية سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة. وفي العام الماضي، قالت الأمم المتحدة إن المانحين الدوليين تعهدوا بتقديم ملياري دولار إلى الجهود الإنسانية في اليمن.

 

تحقيق ثانٍ أجرته منظمة أخرى تابعة للأمم المتحدة، اليونيسف، ويتركز على موظف سمح لقيادي حوثي كبير بالتنقل في مركبات تابعة للوكالة ما يقيه الضربات الجوية المحتملة من قبل قوات التحالف الذي تقوده السعودية. وتحدث الأشخاص إلى الأسوشيتد برس عن التحقيقات شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من الانتقام.

وفقاً لثلاثة أشخاص على دراية بالتحقيق، يجري مراقبون في اليونيسف، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة تعمل في اليمن تحقيقاً مع خورام جاويد، مواطن باكستاني يشتبه في سماحه لمسؤول حوثي كبير باستخدام مركبة تابعة للوكالة. ومنح ذلك الحوثي حماية رسمية من الغارات الجوية التي يشنها التحالف الذي تقوده السعودية، حيث تقوم اليونيسف بمراجعة تحركات سياراتها مع التحالف لضمان سلامتهم.

وعبر المسؤولون عن مخاوفهم من إمكانية استهداف مركبات الوكالة في حال ظنت قوات التحالف أنها تستخدم لحماية المسلحين الحوثيين.

وكان جاويد معروفاً بصلاته الوثيقة مع أجهزة الأمن التابعة للحوثيين. وقال زميل سابق له ومسؤول إغاثة إنه تفاخر باستخدام علاقته لمنع مراقبي اليونيسف من دخول البلاد، حتى إن المسلحين الحوثيين أقاموا لوحة كبيرة له في أحد شوارع صنعاء، لشكره على خدماته.

ولم يتسن الوصول إلى جاويد للتعليق، لكن مسؤولي اليونيسف أكدوا أنه فريق تحقيق توجه إلى اليمن لفحص هذه المزاعم. وأعلنوا نقل جاويد إلى مكتب آخر، لكنهم لم يكشفوا عن موقعه.

وفقاً للعديد من الأشخاص الذين تحدثوا إلى وكالة أسوشيتد برس، هناك علاقات وثيقة بين موظفي الأمم المتحدة والمسؤولين الحوثيين خصوصاً.

وذكر تقرير سري للجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية باليمن، والذي حصلت عليه الأسوشيتد برس، أن سلطات الحوثي تضغط باستمرار على وكالات الإغاثة، لإجبارها على توظيف موالين لهم، وإرهابهم بالتهديد بإلغاء التأشيرات بهدف السيطرة على تحركاتهم وتنفيذ مشروعات بعينها.

وقال مسؤولون إنه من غير الواضح كم عدد الموظفين الذين يساعدون الحوثيين. وقال المسؤولون إن العديد من الحوادث في السنوات الأخيرة تشير إلى أن موظفي الأمم المتحدة ربما تورطوا في سرقة إمدادات المساعدات.

تُظهر تقارير الأمم المتحدة الداخلية في عامي 2016 و2017 التي حصلت عليها وكالة الأسوشييتد برس، العديد من الحوادث التي اختطف فيها المتمردون الحوثيون الشاحنات التي تحمل الإمدادات الطبية في مدينة تعز. تم تسليم الإمدادات لاحقًا لمقاتلي الحوثيين على الخطوط الأمامية الذين يقاتلون التحالف الذي تقوده السعودية أو تباع في الصيدليات في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثيين.

وقال مسؤول ساعد في إعداد التقارير "كان من الواضح أن هناك بعض الأفراد الذين كانوا يعملون مع الحوثيين وراء الكواليس لأنه كان هناك تنسيق بشأن حركة الشاحنات".

وقال مسؤول، إن عدم قدرة الأمم المتحدة أو عدم رغبتها في معالجة الفساد المزعوم في برامج مساعداتها يضر بجهود الوكالة لمساعدة اليمنيين المتضررين من الحرب.

وأضاف مسؤول الإغاثة، "هذه فضيحة لأي وكالة وتدمر حيادية الأمم المتحدة".

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية