الأمير تركي بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود- المعروف إعلاميا باسم تركي الفيصل- الذي شغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات العامة المملكة العربية السعودية (1977- 2001)، أي في فترة الجهاد والحرب الأهلية في أفغانستان، أكد لقناة روتانا خليجية التي استضافته في برنامج الليوان منتصف الأسبوع الماضي، أكد عدم وجود أي دور للاستخبارات السعودية والأميركية في تكوين تنظيم القاعدة الإرهابي في باكستان. 
 
أزعم أن هذا الكلام فيه قدر كبير من الصحة أو المصداقية، مع الأخذ في الاعتبار أن مخابرات البلدين كان لها الدور الأساسي في حشد المقاتلين العرب إلى باكستان ثم إلى أفغانستان للجهاد ضد الجيش السوفييتي الذي اجتاح البلاد في عام1979 لدعم النظام اليساري الجديد هناك. 
 
إذاً كان لا دور للمخابرات السعودية والأميركية في تكوين هذا التنظيم الإرهابي، فمن أنشأه إذن؟ 
 
سوف نبين ذلك بعد قليل، وفهمنا أن الفيصل قد أشار إلى ذلك ضمنا، بقوله إن قيادات الأفغان العرب تجمعت مع الأفغان في مدينة بيشاور الباكستانية، وكان ذلك بداية الحرب الأهلية في أفغانستان التي اشتعلت بعد انسحاب القوات السوفييتية منها في فبراير 1989. 
 
والآن سوف نجيب على السؤال الذي كتبناه فوق، وهو من كون تنظيم القاعدة الإرهابي؟ وللأمانة أن قيادات الإخوان المسلمين هي صاحبة الإجابة الصحيحة.. ففي عام 1980 قامت جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر، بتكليف القيادي فيها محمد كمال الدين السنانيري، زيارة المملكة العربية السعودية، ليلتقي هناك الدكتور عبد الله عزام، وهو فلسطيني الجنسية، كان في ذلك الوقت يدرس في جامعة الملك عبد العزيز بجدة.. كلفت جماعة الإخوان السنانيري إقناع عبد الله عزام الانتقال إلى باكستان لدعم جهاد الأفغان، وتكوين جيش للانتشار السريع من الشباب العرب المجاهدين في أفغانستان، مقسم إلى فصائل ذات مهام متنوعة، لتنتقل لاحقا إلى الفلبين والشيشان والبلدان التي توجد فيها أقليات مسلمة مضطهدة.. 
 
انتقل عبد الله عزام إلى باكستان تحت غطاء التدريس في الجامعة الإسلامية بإسلام أباد، وسرعان ما ترك التدريس ليتفرغ لتنظيم مهمات الجهاد ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، حيث أصبح أميرا لمكتب خدمات المجاهدين، وهو الذي وضع في العام 1984 سجلا يتضمن بيانات الشباب العرب، الذين سيقومون لاحقا بمهام جهادية في أماكن مختلفة من العالم.. عزام أطلق على ذلك السجل مسمي القاعدة.. لأنه يتضمن قاعدة بيانات أولئك الشباب.. ومن هنا أخذ تنظيم القاعدة اسمه. 
 
 كان قياديو جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر، مثل المرشد العام مصطفى مشهور، يزورون باكستان من وقت إلى آخر، يقابلون خلالها أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وعبد الله عزام وآخرين.. في حين كان القيادي الإخواني محمد كمال الدين السنانيري يواصل زياراته لباكستان ومناطق أفغانية موفدا من قبل الجماعة لدعم الجهاد، وتسوية المنازعات التي كانت تنشأ بين الفصائل الجهادية المتباينة في الرؤى والمواقف والأهداف.. لكن السنانيري اعتقل في القاهرة بعد عودته من أفغانستان أواخر العام 1981، وأودع سجن طرة، وبعد شهر من اعتقاله انتحر داخل السجن، أما المهمة التي كان يقوم بها في باكستان وأفغانستان، فقد صارت مهمة إضافية للإخواني الفلسطيني عبد الله عزام. 
 
في العام 1989 خرجت القوات السوفييتية من أفغانستان، وسيطرت فصائل الجهاد على الحكم في كابول، ولكن الخلاف دب في أوساطها، فاشتبكت في نزاعات مسلحة دموية لفترة طويلة.. في تلك الأثناء ظهر الخلاف بين عبد الله عزام وأيمن الظواهري حول دور المجاهدين العرب، أو الأفغان العرب بعد انتهاء مهمتهم الجهادية بمجرد انسحاب الجيش السوفييتي.. كان عبد الله عزام يرى أن يعاد تنظيمهم في فصائل جهادية تنتشر في البلدان غير الإسلامية التي توجد فيها أقليات مسلمة، وذلك وفقا لطلب مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر.. أما أيمن الظواهري فكانت رؤيته التي تمسك بها هي عودة المجاهدين العرب إلى البلدان التي قدموا منها، للجهاد فيها من أجل إقامة الخلافة الإسلامية.. وقد قاوم عزام رؤية الظواهري، فلم يجد هذا الأخير سبيلا سوى التخلص من عزام عن طريق تلغيم سيارته.. لقد قتل عزام في مدينة بيشاور أواخر العام 1989، وأدعى الظواهري أن المخابرات الباكستانية والأمريكية تقفان وراء مقتله. ولكن ما سعت إليه جماعة الإخوان المسلمين تحقق في النهاية في غياب عزام وبقاء الظواهري، فأعلن رسميا عن تكوين الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين- تنظيم القاعدة، وكان الميدان الرئيسي لمناجزة اليهود والصليبيين هو البلدان العربية.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية