ليس تجنيا وضع عنوان كهذا لمقالة تتحدث في ثناياها عن حركة يفترض أنها دينية إسلامية. 
 
من الممكن الإشارة إلى ما هو معروف ظاهر في انطلاق الحركة الحوثية في بنيانها النظري من منطلقات دينية طائفية تشرخ النسيج الديني الثقافي في اليمن، فيما لو قدر لها النجاح، وبطبيعة الحال تلجأ إلى تغطية حقيقتها الطائفية في مجتمع غالبيته مخالف لوجهتها الفكرية، بأغطية من السهل تمريرها في الذهنية العامة لليمنيين، المسلمين بنسبة تكاد تكون مئة بالمئة، أهم هذه الأغطية إطلاق وصف "المسيرة القرآنية" على نفسها، وليس من العسير الاعتماد على ذات الخطاب الديني، الذي تحاول تسويقه، لتأشير معالم المخالفات الحوثية، نظريا وعمليا، للمبادئ والتعاليم القرآنية، فوضوحها لليمنيين والمهتمين بالشأن اليمني مغني عن البيان.
 
ربما الكثير من الناس يجهل أن الأصول الحقيقية لنظرية السلالة والولاية ترجع منابعها إلى أديان سابقة على الإسلام، لكننا تجنبا للتشعب في الموضوع نكتفي بلفت الأنظار إلى بعض مواطن التعسف في إسقاط مقولات الديانة اليهودية الجوهرية، المعنية بمكانة أتباع الديانة بين البشر، على نظرية السلالة والولاية.
 أما أسباب اختيار اليهودية كأصل للفكرة الحوثية فراجعة إلى مزاعم العداء لليهود وإسرائيل، ليس من قبلها فحسب بل ومن ولاتها الطائفيين والسياسيين في ايران،  إضافة لسبب آخر متعلق باهتمام القرآن ببني إسرائيل، واليهود عموما، كأهم مداخل وأبواب العبرة والعظة حتى لا يكاد يخلو معظم القرآن من ذكر لبني إسرائيل وأنبيائهم.
 
تواكب المعتقدات الحوثية الاعتقاد اليهودي بأفضلية بني إسرائيل على بقية البشر، وتحوير اليهودية كديانة سماوية إلى اصطفاء إلهي لعرق ينحدر من النبي يعقوب، وتوارث الاختيار الإلهي كأفضلية جينية لا كالتزام بعقد ديني يتضمن التعليمات الإلهية، ولذلك نجد في كتب العهد القديم، المرجعية الكتابية للديانة اليهودية، اهتماما بالغا بالأنساب وتقسيم بني إسرائيل (يعقوب) على قواعد سلالية.
 
تضمن العهد القديم وراثة الكهانة في نسل هارون الذي يضاهي علي بن أبي طالب في التراث الإسلامي وإنزال نظرية السلالة والولاية، ذات الفكرة اليهودية، على ما يعتقد أنه سلالة علي في الإسلام. 
 
الحوثيون، كأسيادهم الصفويين في إيران، انتزعوا من القرآن العبارات المتضمنة ألفاظ الاصطفاء، والذرية للتدليل على الاصطفاء الإلهي للسلالة المنحدرة من علي بن ابي طالب ابن عم النبي وأخيه، عشرة ومصاهرة.
 
لن نناقش بالتفصيل رخاوة الاستدلات الحوثية ونكتفي ببعض التنويهات.
 
 هناك آيات قرآنية تمنع تزكية الذات وتعتبر التقوى عمودا للأفضلية الدينية، بجانب أن عملية الاصطفاء، طالما وهي إلهية، فإن من اللازم إخبار الله بها عن طريق الوحي، وهو أمر مستحيل بعد انقطاع الوحي الإلهي بوفاة نبينا محمد عليه السلام، كما أن الاصطفاء، والألفاظ القرآنية المقاربة، جاءت مقرونة باشتراطات بينها العلم، فيقول القرآن عن النبي إبراهيم "وكنا به عالمين"، وعن بني إسرائيل "ولقد اخترناهم على علم"، وبملاحظة  العبارات القرآنية نرى تسمية "بني إسرائيل" وليس "بني يعقوب"،  فالعبارة الأولى لها دلالة دينية بينما يمكن القول إن الثانية دلالتها جينية، ولا تغير لفظة "بني" في هذا الاتجاه كون عادة الكثير من الأديان قبل الإسلام تنسب أتباع الدين إلى الإله، كما ورد في الإنجيل مثلا "أبانا الذي في السماوات".
 
أما ألفاظ الذرية وما شابهها في القرآن، مما يبدو عليها إشارات القرابة الجينية، فكثير ما تأتي بالمعنى الديني "إنما المؤمنون إخوة "، "وجعلنا ذريته هم الباقين"، "ملة أبيكم إبراهيم"، "وأزواجه أمهاتهم". 
يؤيد ما سبق أن كل ما ورد في بني إسرائيل، مما يمكن النظر السطحي إليه على أنه تمييز، انتقض وتحول إلى لعن إلهي لمخالفة التعليمات الإلهية "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم".
 
وبالتقصي أزيد، نستطيع العودة بالمبدأ الجيني للتفضيل إلى إبليس، الذي اعترض على استخلاف آدم بالاستناد إلى المبدأ الجيني، إذا صح التعبير، حيث بنى مخالفته الأمر بالسجود على أساس الاعتقاد بأفضلية مادة الخلق.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية