لست هنا مادحا أو مدافعا، إنما مقارنا ومتمنيا، وإن كنت لا أخفي تحيزا يفرضه واقع المشهد اليمني الموسوم بأخطاء التعامل مع المعركة ضد الجماعة الحوثية لتي ساعدتها اضطرابات العام 2011 في التدحرج ككرة الثلج حتى وصلت إلى ما هي عليه من قوة، والسبب جملة قصور وخطايا في المواجهة شتت المكونات المناوئة وعددت تشخيصاتها للظاهرة الحوثية.
 
أتاح النظر للجماعة كحالة خاضعة للتكايد السياسي في خلق هوامش للتحرك الحوثي وسط المعارضة مكنه من السيطرة إبان أزمة 2011 على معظم صعدة وعتاد الألوية العسكرية المتواجدة فيها، رافقتها في السنوات التالية أخطاء في منطقة دماج وسفيان وعمران والجوف وأرحب عززت تحصيل الحوثيين المزيد من القوة العسكرية لتصل ذروتها ذلك الوقت مع إجراءات هيكلة الجيش التي فتحت الباب لخلايا الحوثي السرية لإحداث اختراقات مهمة للألوية العسكرية في العاصمة انتهت بالاستيلاء عليها وعلى أغلب المحافظات في 2014.
 
حينها كان الرئيس الشهيد علي عبد الله صالح أمام معطيين، سلطة منتخبة خسرت كل شيء، وأخرى سلطة أمر واقع استحوذت على كل شيء وتتصف بهمجية كفيلة بتدمير حصيلة عقود من بناء منظومة الدولة والمكتسبات التنموية، ساهم صالح في قيادة معظمها، فحاول أمام بدائل محدودة للغاية ترشيد الجماعة الحوثية وسحبها إلى مربع السياسة واحتواء نزعاتها التخريبية، لكن طبع الجماعة غلب تطبعها ما أدى إلى انتفاضة 2 ديسمبر 2017، التي قاتل فيها الحراس الشخصيين للشهيد بقيادة طارق محمد عبد الله صالح قتال الأبطال أمام فارق فلكي في القوة العسكرية لصالح الحوثيين من حيث العدة والعتاد وخطوط الإمداد والمساحة الجغرافية وغيرها من العوامل الداخلة في  حسابات المواجهات العسكرية.
 
لم تمر بضعة أسابيع على الانتفاضة حتى كان طارق ورفاقه في عدن يؤسسون قوات المقاومة الوطنية حراس الجمهورية، وبعد أقل من ثلاثة أشهر كان أبطال ديسمبر ومن انضم إليهم في مقدمة صفوف معركة تحرير الحديدة وأثبتوا جدارة في إدارة المعركة حتى في العمليات الدفاعية عقب اتفاق ستوكهولم، وفي الجوانب السياسية والتنموية وتطبيع الحياة في مناطق الساحل الغربي سواء بسواء كما في الناحية العسكرية.
 
دعونا نكون واقعيين، كان بإمكان طارق صالح إنهاء الأمر عند حد انتفاضة ديسمبر والركون إلى راحة الفنادق واستخدام العلاقات الإقليمية والدولية للرئيس الشهيد في إطلاق الحوثيين أخيه وولده، غير أنه آثر مع ثلة من ضباط وأفراد الجيش السابق الاستمرار في المعركة الوطنية الجمهورية وبناء نواة جيش وطني بدعم من التحالف العربي، وخصوصا الإمارات، مثلما الدعم الحاصل لبقية المكونات حتى تلك المسيطرة على مناطق تحوي ثروات تغنيها عن التمويل الخارجي، واستطاع مع رفاق السلاح في القوات المشتركة تسلم معظم المهام الأمنية والعسكرية في المناطق المحررة بالساحل الغربي من قوات دول شقيقة أبرزها ألوية عسكرية سودانية.
 
ولنكن واقعيين أكثر لنقول إن المكونات العسكرية النظامية المحاربة للحوثي مرتبطة بأطراف سياسية لها أجندات مؤثرة سلبا في مسار المعركة الوطنية بمقابل افتقار المقاومة الوطنية لغطاء سياسي كان باستطاعة حزب المؤتمر توفيره، على الأقل من باب المصلحة السياسية لناحية أن أسرة الرئيس الشهيد ما زالت الرقم الأصعب في الحفاظ على المؤتمر ودوره لسنوات قادمة.
 
القيادات العليا للمؤتمر بإمكانها موازنة قرارات السلطة وتقديم الغطاء السياسي اللازم للمقاومة من جهة، وقادرة على تحفيز القيادات الوسطية والقاعدية، لا سيما في المناطق المحررة، للعمل كتنظيم يساند جهود التحشيد للانضمام إلى المقامة الوطنية، هذا إذا اختار المؤتمر البقاء والعمل تنظيميا بعيدا عن الروح الاتكالية السابقة.
 
الحوثيون ليسوا تلك العقبة الحربية الكبيرة إذا ما اتحدت الجبهة العسكرية المقابلة، بالنظر إلى أن النسبة الأعلى من عناصرهم مجاميع قبلية غير عقائدية ولا نظامية وتميل بطبيعتها التاريخية في أحايين كثيرة للتذبذب والانحياز للأقوى.
 
ما نتمناه أن يتبنى التحالف العربي والأطراف السياسية اليمنية صيغة ما، في حدها الأدنى توحد الجهود العسكرية بالاستفادة من تجربة القوات المشتركة في الساحل الغربي، وإذا لم فإن المؤتمر أمام مسؤولية استئناف دوره الوطني في الدفع بالرجال للالتحاق بطوارق المقاومة الوطنية، وتحفيز الوجاهات القبلية المرتبطة به في توجيه شتات مقاتليهم وتأطيرهم، بصفاتهم الفردية، في المقاومة لإنقاذ الوضع العسكري من مزيد انتكاسات.
 
سبعون إلى مئة ألف مقاتل مدربون ومسلحون جيدا وتحت إمرة قيادة واحدة قادرون على هزيمة الحوثيين ودحرهم عسكريا، وسيتبين أن العامل الأهم في قوة الأخيرين هو تفكك المناهضين من القوات النظامية وتشرذم المحاولات القبلية.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية