في منطقة الحيمة، بمديرية التحيتا جنوب الحديدة، بدى المكان زاخرا بالحياة مع الحرب، بخلاف ما كان عليه في السابق، تحول المكان المهجور إلى ملاذٍ تأمن فيه مئاتُ الأسر الهاربة نزوحًا أو تشريدا، فتستقرُ في الحيمة منتظرةً بفارغ الصبر مجيء وقتِ العودة إلى بيوتها مرةً أخرى.
 
في داخل إحدى الخيام التي سمح لنا بالدخول إليها، لاحظنا جسدًا ملقيًا على كرسي من الخشب محاك بالحبال، بدى وكأنه لا يقدرُ على الحركة برجليه أبدا، كان المشهد مؤلمًا حينما يُشاهدُ إنسانٌ بهذه الصورة المحزنة، وهو في عز شبابه وقوته.
 
 محمد أحمد، بدأت قصةُ إصابته مع الفجر، عندما ذهب إلى إحدى المزارع في منطقة الجبلية، لقطف ثمار البامية، فإذا برصاصة أطلقها مسلح حوثي تصيبه في ظهره وتؤثر على عموده الفقري، حتى أصيب بشللٍ تامٍ في أطرافه السفلية منذ ذلك الوقت.
 
يتساءل محمد عن الذنب الذي اقترفه وهو مزارع بسيط، حتى يُفعلُ به كلُ هذا، وتخسرُ زوجتُه وابنتاهُ معيلهنُ الوحيد، الذي بات طريح الفراش يحتاج لمن يعيله اليوم بدار نزوحه في الحيمة، فتتعاظم معاناته أكثر في ظل الحرب.
 
عند الإصابة وقبل النزوح تطوع مواطنون بإسعاف محمد إلى زبيد، ومنها أسعف إلى الحديدة، وتكوّن أملٌ لدى أسرته باحتمال شفائه إذا أسعف إلى صنعاء، فنقل إليها وبقي فيها لمدة شهرين، ثم تعرض للإهمال المتعمد وأعيد قسرا إلى حيثُ كان، دون أن يتغيرَ شيءٌ في وضعه، منذ عامين على الإصابة.
 
اختار محمدُ وعائلتُه اللجوءَ إلى الحيمة في المناطق المحررة بسبب الجوع الذي عانوه في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية، وفقدانِ الأمانِ هناك، وانعدامِ المعوناتِ الإنسانية، فكان اختيارُ الانتقالِ إلى المناطق المحررة هو الأفضلَ من البقاءِ في مناطقِ سيطرة المليشيا.
 
ليس لدى والد محمد سوى الاقتناعِ بما حدث لابنه، آمن بالقدر الذي كتب على أسرته بهذه الجريمة، ولا تزالُ غصةٌ في قلبه من تلك المليشيا التي صوبت بندقيتها نحو جسدِ ابنه البريء، فأعاقته وأغرقت حياته بالتعب.
 
ما كان يميز محمدَ في عيون أبيه، أنه كان المعيلَ الوحيدَ للأسرة، لديه شقيقان لكنهما أصغرُ منه سنًا، فكان الكل يركن إليه في إعالة الأسرة وتوفير ما يلزمها، وعندما أصيب انقلبت الحياة على أهله رأسًا على عقب.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية