مازالت مليشيا الحوثي بكل مكوناتها وأذرعها تقدم كل يوم درسا جديدا في الانتهاكات للحقوق والاعتداءات والجرائم، وتحرص بممارساتها إثبات أنها لا تختلف عن القاعدة وداعش الإرهابيين إلا في الإطار الطائفي الذي يحوي في داخله نفس المضامين الإيديولوجية والفكرية المتطرفة. هذه المرة كان بطل الجريمة أداة داعشية حوثية بمسمى "ملتقى الطالب الجامعي" وأمن جامعة صنعاء بقيادة ضابط أمن يدعى محمد العنتري، والضحية طلاب وطالبات الجامعة.
 
في كافتيريا كلية الإعلام، كانت طالباتٌ من كلية التربية يحتفلن بعيد ميلاد إحدى صديقاتهن، قبل أن يأتي إليهن رجل الأمن (العنتري) ويقتحم حرم مكانهن، وهن في جلسة غير مختلطة لا يرتدين حجابهن الساتر لهن، ليثير حالة من الرعب والهلع في أوساطهن، والسبب هو بلاغ من "ملتقى الطالب الجامعي /فرع الطالبات" بحجة منع الموسيقى.
 
"هذا الاقتحام ليس الأول من نوعه، لكنه الأكثر جرأة، إذ لم يسبق أن دخل رجل لمجلس نساء بهذا الشكل المنافي للعادات والتقاليد المتعارف عليها"، تقول إحدى الطالبات، واصفة المشهد، وتتساءل مستغربة: هل ذنب الاستماع للموسيقى أكبر من التعدي على الحرمات ؟! وهل وجد الملتقى لمنفعة الطالب أم للإضرار به ؟.
 
 
النشأة والتكوين
 
ملتقى الطالب، هو تجمع نشأ في العام ٢٠١٥ ، وبتوجيه من قيادات مليشيا الحوثي، حيث  يرتبط مباشرة بعلي شرف الدين، نائب وزير التعليم العالي في حكومة الحوثيين، والمسؤول عن إمداد القادة بالخطط والتعليمات المتوجب تطبيقها في النشاطات التي تُقام في الجامعات الحكومية والخاصة.
 
 يضم الملتقى بعض الطلاب والمندوبين من جميع المستويات والكليات والجامعات، يضاف إليهم طلاب خريجون وبعض المشرفين من خارج الإطار الجامعي، يأتي بهم الحوثيون كعاملين لهم، ويتبعون لهم مباشرة، لتنفيذ ما يتناسب مع مخططاتهم؛ من أجل السيطرة على سير العملية التعليمية في الجامعات، ولضمان كتم كل الأفواه التي تعارضهم، ويتكون غالبيته من (الأسر الهاشمية) حسب المزاعم السلالية، التي تشكل أكثر من ٩٠٪ من توليفته، بشقيها الرجالي والنسائي.
 
 
أعمال خارج القانون 
بالرغم من وجود القرار الصادرة عن رئيس الوزراء عام 1995، والمتعلق بكل ما ينبغي للطالب معرفته من الحقوق والواجبات التي تلزمه التقيد بها؛ إلا أن المليشيا لم تعمل بما جاء به، حيث انتقت ما يتناسب وسياستها، متجاهلة، بالوقت ذاته، أشياء كثيرة من حقوق الطلاب، من أبرزها ضمان حرية التعبير عن الرأي، الذي يتضمن الكثير من الحقوق منها حق التجمع، وإقامة الحفلات، والندوات، وحرية التنقل.
 
هذه الحقوق بات من الصعب ممارستها، بل من المستحيل، كما يقول الكثير من الطلاب.
 تشكو الطالبة (إ، ع) قائلة :"كنت مارة من أمام إحدى الكليات في طريقي إلى مبنى كليتي المرجو الوصول إليه، ولأنني كنت لا زلت بأول أيامي في الجامعة؛ لم أعرف أين هي، مما اضطرني لسؤال أحد المارة ليرشدني طريقي، أخذنا بالحديث وقتا قصيرا، مع ذلك لم يحُل قصر مدة الحديث دون مجيء (طقم العنتري)، ليقوم بعدها باستجوابنا والخوض بتحقيق مطول، واتهامنا بممارسة عمل (محرم ومخل بالآداب) زورا وبهتانا، ليتطور الأمر ويتعقد، لتكون النهاية أخذ التزامات منا بعدم الالتقاء مجددا، وكأننا ارتكبنا جريمة!". 
 
وتعرض الطالب (ق، ش) لحادثة أكثر بشاعة، تبدأ قصته عندما كان في مقابلة صوتية مع إحدى زميلاته في نفس الكلية (الإعلام)، في الساحة العامة وأمام العشرات من زملائهم من كل المستويات.
 
يقول (ق، ش):"بينما كنا قياما، نسجل لموضوع فرضوه هم علينا، يتعلق بالقضية الفلسطينية، إذ أقبل (العنتري) مسرعا، وما أن وصل حتى دفعني بكلتي يديه دفعة أوقعتني أرضا ! ".
 
يضيف (ق، ش) بعد تنهيدة تنم عن وجع تلك اللحظة، وبحشرجة في الصوت " لم ولن أنسى ذلك اليوم ما حييت، لقد كانت أصعب لحظات حياتي".
 
يتابع كلامه بأنه قدم شكوى لعمادة الكلية ومسؤولي الملتقى، غير أنه لم يلق أي رد للاعتبار منهم، مقدمين له بعض التطمينات والتعهدات التي لم تأت حتى اليوم.
 
(ب، س)، الطالب بكلية الطب، تعرض لتفتيش تلفونه بعد بلاغ من أحد زملائه التابعين للمليشيا، ما اضطره لعدم اصطحاب تلفونه من يومها، رغم احتياجه له. كما يقول.
 
(ع. ن) هو الآخر، تعرض لعملية تفتيش للتلفون، بعد أن أمسك به طقم الأمن، وهو يصور زميله في الجامعة، ليفتحوا معه تحقيق مطول انتهى بمسح ما صوره، وأخذ تعهد بعدم التصوير مرة أخرى، وهذا لأنهم لا يسمحون لأي أحد بالتصوير إلا بتصريح رسمي من الملتقى.
 
الطالبة (د. م)، تشرح عن كمية المضايقات التي تتعرض لها من الملتقى كلما لبست (بالطوه/عباية) قصير.
 
وأضافت أنها في المرة الأخيرة، جاء إليها مشرف الملتقى التابع للحوثيين وقال لها:" ممنوع تلبسي هذه الملابس" متهما إياها بأنها بلا أخلاق كونها ترتدي هذه العباءة. 
 
 
جاسوسية 
 
يتهم الكثير من الطلاب الملتقى بالتجسس عليهم بأساليب عدة ومتنوعة.
يقول (س، أ)، الطالب بكلية الشريعة والقانون " لا يمكن أن تجد مجموعة إلكترونية في كل مواقع التواصل الاجتماعي إلا وكانوا داخلين فيه، إن لم يكونوا هم المشرفين، وهو شيء أصبح متعارفا عليه ومتقبلا بحكم الفرض بالقوة". 
 
ويضيف أن تلفونه تعرض للاختراق أكثر من مرة مما استدعاه لشراء تلفون جديد بشريحة جديدة.
 
ويشرح كمية المحاولات التي كانوا يصنعوها للإيقاع به، حيث يصف تلك المحاولات بـ"القذرة" إذ كانوا يستغلون بعض البنات لمصاحبته في الواقع والعالم الافتراضي للإيقاع به، غير أنه خرج من كل حبالهم منتصرا. كما يقول.
 
 
طالب آخر يدرس في كلية الزراعة قال إن ملتقى الطالب استدعوه، وعندما ذهب إليهم وجد لديهم صورا لكل ما ينشره في حسابه على فيسبوك، وتهما كيدية لا تمت بأي صلة لما يكتبه على فيسبوك، وأجبروه على توقيع تعهد يتضمن عدم نشره منشورات على فيسبوك، وهددوه بالاعتقال والسجن إذا نشر مرة أخرى. 
 
 
ندوات طائفية 
العديد من الندوات والفعاليات العلمية والأدبية والدينية والفنية، كانت تقام بالجامعات المختلفة، وبمشاركة واسعة من قبل الطلاب.
كل هذه الفعاليات لم يعد لها وجود بعدما استفحلت الندوات الدينية الطائفية وقضت عليها، وإن بقي شيء من بعضها تحت هذه المسميات إلا أن المحتوى مختلف تماما.
يوم الشهيد، ويوم الولاية، ويوم عاشوراء، وذكرى مقتل الإمام زيد، وبدر الدين وابنه حسين، ويوم ٢١ سبتمبر، كلها أحداث تقام لها سنويا العديد من الفعاليات والاحتفالات الضخمة وتصبح وكأنها أعياد رسمية، تلتزم مختلف الجهات الحكومية بإحيائها بصورة أو بأخرى.
 
"هذه الفعاليات باتت تكلف الكثير، وتشغل بال الطالب الذي جاء ليتخرج حاملا علما ينتفع به وينفع به غيره " يقول (ي، ق)، الطالب بكلية الطب، ويضيف متسائلا عن جدوى كل تلك الفعاليات، ومستغربا بالوقت ذاته من إهمال جوانب أخرى أهم والطلاب بأمس الحاجة إليها!.
 
 تمول هذه الندوات والمناسبات الطائفية من ملتقى الطالب الذي يأخذ ميزانيته التي فرضت إجباريا من إيرادات الجامعة، حيث كشفت وثيقة رسمية صادرة عن الملتقى العام الماضي، أن ميزانية آخر احتفال بالمولد النبوي داخل الجامعة فقط، كلف ١٢ مليون ريال يمني، في الوقت الذي يعمل الأساتذة في الجامعة بدون رواتب.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية