بداية هذا الأسبوع قال الرئيس الإيراني حسن روحاني مخاطبا الكاظمي رئيس الوزراء العراقي: إن أمن العراق ووحدة أراضيه واستقراره من أولويات إيران.. هذه العبارة التي يشي ظاهرها بحرص إيراني، تنطوي على تأكيد تدخل طهران في شئون العراق، إذ صاحبها إملاءات من قبيل: يجب اخراج القوات الأميركية، وأنه لا ينبغي أن يكون للبيت الأبيض أي رأي في ما يحدث بالعراق أو غيرها.. لتبقى الكلمة هي كلمة طهران. 
 
هكذا سوف تستمر إيران في التدخل مباشرا بشئون البلدان العربية.. في العراق، سوريا، لبنان، اليمن، والبحرين.. وتدخلها يتخذ أسلوبا عنيفا.. عبر جيوش وعصابات وأحزاب، مثل حزب الله في لبنان، جيش بدر، كتائب حزب الله، عصائب أهل الحق في العراق، لواء فاطميون، وتنظيمات مسلحة أخرى في سوريا، والجماعة الحوثية في اليمن، وتسعى لزعزعة أمن واستقرار البحرين من خلال تنظيمات شيعية متطرفة، والاضرار بمصر من خلال جماعة الاخوان المسلمين المحظورة، إلى جانب تدخلها العسكري المباشر من خلال فيلق القدس التابع للحرس الثوري، ومن وقت إلى آخر تلوح بصواريخها طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى لتهديد السعودية وبعض دول الخليج.. كما تروج إيران لسياساتها وثقافتها الخاصة، وتؤثر في المتلقين العرب تأثيرا لمصلحة النظام الإيراني، وتأثيرا سلبيا لجهة حكوماتهم، من خلال عشرات الشبكات التلفزيونية، كمثال قنوات المهدي، العهد، الغدير، الكوثر، المنار، البينة، المسيرة، العالم، النجباء، ومئات الإذاعات، فضلا عن جيش كبير محترف في استخدام وإدارة الإعلام الاجتماعي، أو التواصل الاجتماعي للدعاية للأنموذج الإيراني.
 
من جانبها تريد الدول العربية من الإدارة الأميركية تغيير السياسة العدوانية الإيرانية تجاهها، بينما الإدارة لا يمكن أن تقوم بذلك نيابة عنها، ودون مساندة فاعلة من هذه الدول، وأقصى ما تفعله هو استخدام سلاح العقوبات، وهو سلاح غير فعال كفاية.
 
ربما تستطيع هذه الدول تعديل هذه السياسة بطرق سلمية، وليس بأدوات العنف كما تفعل إيران.. فلماذا لا تجرب مع إيران طريقة لم تجربها من قبل، وقد تكون فعالة، إذا تم التخطيط لها كما يجب.. تدخل سلمي من خلال دعم التيار المعتدل- الإصلاحي الذي يعتبر جزءا أصيلا من النظام السائد في إيران، ودعم جماعات المصالح هناك.
 
الشائع بين الناس أن حزب المحافظين أو المتشددين الإيرانيين المسمى حزب تحالف بناة ايران الإسلامية- الحزب الحاكم، هو الحزب الوحيد والكلي الجبروت، والأمر ليس كذلك، فالتيار المعتدل أو الإصلاحي ينتظم في نحو خمسين حزبا وجماعة مصالح، مثل الجبهة الوطنية، حزب جبهه مشاركت إيران إسلامي، وحزب جوانان إيران إسلامي، فضلا عن أحزاب وجماعات مصالح للقوميات الكبيرة نسبيا، مثل الترك، الكرد، العرب، والبلوش.
 

نظريا، لا تسمح التشريعات الحزبية في كل الدول، بتلقي الأحزاب دعما من الخارج، لكن من الناحية العملية يحدث هذا في دول تعلي مبدأ سيادة القانون.. قبل أيام حكم القضاء الفرنسي على الرئيس ساركوزي بالحبس ثلاث سنوات لتلقيه وحزبه دعما ماليا من حكومة عربية لتمويل الحملة الانتخابية، وقبل ذلك عوقب رئيس ورئيس وزراء إسرائيليين لذات السبب، وكانت الولايات المتحدة الأميركية عرضة للتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية السابقة التي فاز فيها دونالد ترمب.. تستطيع الدول العربية القيام بالشيء نفسه، من خلال التدخل السلمي في الانتخابات، ومن خلال ما يعرف بالأدوات الناعمة لمساعدة تيار الاعتدال والإصلاح في إيران للوصول إلى مركز القرار.. أو إحداث نوع من التوازن في هيئة الحكم.. أو خلق تهديد داخلي يجعل إيران تعدل سياستها تجاه جيرانها والدول العربية عموما، وترشيد برنامجها الصاروخي الذي طال ما استخدمته لتهديد الدول الخليجية.
 

صعود التيار المعتدل- الإصلاحي إلى رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي(مجلس الشورى الإسلامي) مرهون بمشاركة أكبر نسبة من الإيرانيين الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات الرئاسية والنيابية.. بينما تدني نسبة المشاركة، تعني فوز المحافظين، لأن هذه الكتلة الناخبة الضئيلة هي جمهور المحافظين.. والدورات الانتخابية السابقة – من العام1992- تقدم دليلا يدعم هذا القول.. لكننا سنكتفي بشاهد من أخر تجربة انتخابية رئاسية، وآخر دورة نيابية.. ففي الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر مايو 2017 كانت نسبة المشاركة في التصويت تزيد عن 73 في المائة من إجمالي الذين يحق لهم التصويت، وفاز فيها حسن روحاني بنسبة 57 في المائة من الأصوات، وهو محسوب على المعتدلين، بينما لم يحصل منافسه الأبرز إبراهيم رئيسي- مرشح المحافظين- إلا على  38 في المائة من الأصوات.. وفي الانتخابات النيابية التي نظمت في شهر فبراير 2020، انخفضت نسبة المشاركة في التصويت إلى أقل من 43 في المائة من أجمالي الناخبين، فسيطر المحافظون على المجلس النيابي، إذ احتلوا 221 مقعدا، بينما حصل التيار المعتدل- الإصلاحي على 16 مقعدا فقط، وهي أقل من نصف المقاعد التي حصل عليها المستقلون، بينما حصلوا على الأغلبية في انتخابات2016 التي صوت فيها 62 في المائة من الناخبين. 
 
تبقى للانتخابات النيابية القادمة عامين ونصف تقريبا، أما الانتخابات الرئاسية فموعدها قريب، حيث ستنظم في شهر يوليو القادم.. وانظروا في هوية الرئيس الإيراني القادم.. ففي نهاية العام الماضي أعلن قائدان سابقان عزمهما الترشح للانتخابات الرئاسية، القائدان كلاهما من التيار المحافظ: الرئيس الأسبق أحمدي نجاد، ووزير الدفاع الأسبق المستشار العسكري للمرشد الأعلى للثورة حسين دهقان.. ولو غاب التيار المعتدل، فأحد هذين المتشددين، سيكون هو الرئيس الإيراني القادم، وسوف تتعقد العلاقة أكثر من الإدارة الأميركية ومع الدول العربية، فهل من حركة عربية لإقامة علاقات مع التنظيمات الإصلاحية وجماعات المصالح المرتبطة بها، تسعف الموقف؟ قلنا قبل إن هذه الطريقة لم تجرب من قبل مع إيران، فهل هي ممكنة الآن، وقابلة للتنفيذ؟

 

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية