ألقت سنوات الحرب الطويلة ثقلها على جميع اليمنيين، فمنذ أزمة العام 2011  توقفت جميع أشكال التطوير والبناء واقتصرت كل الجهود والمحاولات المبذولة على الخروج من المأزق الذي وضعنا فيه الطامعون في السلطة الذين لم تسد الثروات التي نهبت من خيرات اليمن نهمهم اللامتناهي، بل وجدوا في معاناة ودمار وطنهم مصدراً آخر للتربح والثراء.
 
لقد أدت الحرب التي اندلعت في مارس 2015 إلى تدهور الظروف المعيشية لليمنيين، وانتشر الفقر والجوع والمرض، وانعدمت أبسط وسائل العيش الكريم.
 
كل ذلك أدى إلى تحطيم آمال اليمنيات واليمنيين بمستقبل أفضل، واقتصرت جل محاولاتهم على توفير لقمة العيش، وتجنيب أنفسهم القتل والتعذيب والسجن والاختطاف، أو في أفضل الأحوال تجنيب عقولهم الانسياق وراء خزعبلات ومعتقدات تحولهم لعبيد مسيرين لا يسمع لهم صوت إلا للتبجيل أو عندما تتطلب ذلك مصلحة الجماعة. 
 
ووفقا لدراسة أعدتها  الأمم المتحدة، فإن اليمن يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العصر الحديث حيث يرزح حوالي 80% من اليمنيين تحت خط الفقر، وتحذيرها من أن اليمن سيصبح من أفقر بلدان العالم بحلول العام 2022 إذا لم تضع  الحرب اوزارها. 
 
وعلى العكس تماما في مطلع العام 2022  اشتدت وتيرة الحرب وتلاشت فاعلية الجهود الدولية لإحلال السلام خاصة مع  تجدد المواجهات واستئناف المعارك والقصف في مناطق عديدة من البلاد.
 
وفي ظل الوضع الراهن فقد اليمنيون املهم في إحلال السلام حيث لا يوجد أي مؤشر يوحي بانتهاء قريب للحرب التي أثقلت كاهل المواطن اليمني المغلوب على أمره. 
 
وأسفرت الحرب والصراع المسلح والأزمات الاقتصادية وتدهور الأوضاع المعيشية عن تردي الوضع الإنساني في اليمن، لكن النساء اليمنيات كان لهن النصيب الأكبر من تحمل ويلات النزاع ، حيث تقدر أعداد النساء النازحات بحوالي مليون وثمانمائة ألف امرأة، أي ما يعادل تقريبا نصف إجمالي النازحين البالغ عددهم ثلاثة ملايين ونصف المليون نازحة ونازح. 
 
وتشكل النساء حوالي 51% من نسبة الفقراء في اليمن، وازدادت عدد الأسر التي تعولها نساء مع اشتداد وتيرة الحرب، حيث قدر عدد النساء اللاتي تعول أسرهن في المدن حوالي 141.8 ألف أسرة وحوالي 271 ألف أسرة في الريف. 
 
وأكدت دراسات عدة أن النساء والأطفال النازحين خاصة هم الأشد معاناة من صعوبات عديدة بسبب فقدان سبل العيش وانعدام المسكن الملائم وشحة الخدمات الاساسية مثل توفير الماء والغذاء والخدمات الصحية، بالإضافة إلى الحرمان من التعليم وارتفاع نسبة تزويج القاصرات وتزداد المعاناة سواء للفتيات النازحات من الفئات المهمشة أو ذوي الاحتياجات الخاصة، من أجل الحصول على الخدمات الأساسية في ظل الإهمال وتجريدهن من أبسط الحقوق فضلا عن تعرضهن للانتهاكات والاستغلال غير المشروعين.  
 
كما أن للحرب تأثير سلبي على النساء العاملات وهن الأكثر تأثرا بتبعات الحرب وعواقبها، فمنذ 2015 انخفضت عمالة الذكور بنسبة 11%، بينما انخفضت عمالة الإناث بنسبة 28%، كما أن عددا كبيرا من الشركات العاملة في قطاعات التجارة والخدمات والصناعة أغلقت أبوابها .

ولوحظ أن نسبة الشركات المملوكة للرجال أقل تأثرا منها من الشركات المملوكة للنساء بنسبة 26% للرجال و48% للنساء، حيث وجدت النساء تحديات جمة في توفير رأس مال وصعوبة وصولهن إلى الحسابات المصرفية بالدولار وانعدام المشتقات النفطية وانقطاع الكهرباء. 

 
أما النساء العاملات في القطاع الحكومي فلم يكن أفضل حالاً، فهناك حالات كثيره للنساء تم التخلي عن خدماتهن نهائيا وبصورة مجحفة ودون أي مبرر خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين، بالإضافة إلى شكوى مجموعة من النساء العاملات في القطاع الحكومي  من حرمانهن من مستحقاتهن المالية والمكافآت بحجة أنهن نساء فقط . 
 
وحتى القطاع الخاص تم تسريح نسبة كبيرة من  العاملين في الشركات والمصانع كنتيجة حتمية بسبب الإغلاق أو القصف أو الإفلاس أو استراتيجيات تقليل التكاليف، وتم تسريح أغلب العاملات من الإناث، بغض النظر عن المؤهلات والخبرات العملية أو العلمية. 
 
وبرغم كل ما سبق ذكره والتحديات التي واجهتها وتواجهها المرأة اليمنية إلا أن لديها من العزم والقوة والشجاعة والصمود ما يمكنها من مقاومة الظروف والمحن بالإبداع والطموح والتحدي، حيث توجهت العديد منهن وأقتحمن سوق العمل.  

وقامت العديد ممن خسرن وظائفهن وضاقت بهن الدوائر الحكومية والخاصة  وحتى ربات البيوت اللاتي فقدن المعيل بسبب أو بآخر في الحرب بإنشاء المشاريع المنزلية الصغيرة (طبخ، خياطة، تجارة اليكترونية، وغيرها ) واستفادوا من مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لمشاريعهن والوصول للفئات  المستهدفة.


كذلك اتجه البعض منهن نحو التصوير وخدمات تجهيز المناسبات، مراكز التجميل والتي على عكس المتوقع لاقت رواجا كبيرا وقبولا في أوساط المجتمع اليمني، وأسهمن بشكل كبير في إعالة اسرهن وتحسين أوضاعهم، رغم وجود العديد من الصعوبات والعراقيل كاختلاف سعر الصرف بين الشمال والجنوب، والتوصيل والشحن وتكاليفه الباهضة، وانعدام الاحتياجات الخاصة وارتفاع أسعارها، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع سعر المنتجات.
 
وفي المقابل مواطنون لا يتوافر لديهم أي قوة شرائية بسبب الوضع الاقتصادي المتردي والكفاح فقط من أجل لقمة العيش الضرورية . 
 
أما بالنسبة للنساء الأقل حظا واللاتي يفتقرن للمؤهلات العلمية أو رأس المال أو بسبب النزوح، فقد توجهن للأعمال الخدمية والتي تتطلب جهد كبير كالعاملات في المنازل أو المؤسسات الحكومية والخاصة. 
 
كما أنه وعلى غير المتعارف عليه في مجتمع محافظ مثل المجتمع اليمني، عملت النساء في مهن حرفية مثل البناء والنجارة التي كانت حتى وقت قريب حكراً على الرجال. 
 
من جهة اخرى، ازداد عدد النساء المتسولات في  شوارع المدن واعتاد اليمنيون رؤية مجاميع كبيرة من النساء اليمنيات يتوسلن لتلقي المساعدة. 
 
 كما أسهمت المنظمات الدولية والمحلية العاملة في المجال الإنساني باليمن، في توظيف عدد كبير من اليمنيات فيما عرف بالنقد مقابل العمل أو الغداء مقابل العمل، حيث تم تدريب وتأهيل النساء في عدة مجالات بهدف تمكين المرأة اقتصاديا، وتقوم العاملات في المنظمات بالعديد من المهام الإدارية والميدانية مثل توزيع الإغاثات الإنسانية وتسهيل الوصول إلى الخدمات وإدارة المشاريع المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، وتوفير الدعم الصحي والنفسي للمتضررين، وحتى رصد الانتهاكات التي ترتكب ضد اليمنيات واليمنيين. 
 
ولن تثمر كل هذه الجهود التي تبذلها النساء اليمنيات في تحسن الوضع الأقتصادي لأسرهن وللبلاد بشكل عام ، مالم تتدخل الحكومة والجهات المعنية بالعمل الجاد جنب إلى جنب مع المنظمات الدولية والمحلية، لدعم المبادرات والمشاريع التي تمكن وتأهل  وتطور مهارات وقدرات النساء اليمنيات، إضافة إلى الدعم المادي للمشاريع الصغيرة وتقديم الخدمات الاستشارية ومساعدة النساء على النهوض بمشاريعهن وتسهيل وتذليل الصعوبات وتقديم ما هو أكثر من السلال الغذائية للنازحات وذوي الدخل المحدود، وخلق مناخ إيجابي لتمكين النساء، والعمل على تحسين وضعهن الاقتصادي والصحي والتعليمي، ودعم القوانين التي تحد من العنف والتمييز ضد النساء، مع مراعاة التركيبة الخاصة والإستثنائية للمجتمع اليمني.

 

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية