لا يختلف حال هيئة مستشفى الثورة في العاصمة صنعاء، عن حال بقية مؤسسات الدولة التي سقطت فريسة بيد ميليشيات الحوثي، من حيث التدمير الممنهج الذي تتعرض له، وإغلاق أبوابها أمام المواطن، وتحولها من مؤسسات تقدم خدماتها المجانية للمواطن اليمني، إلى مؤسسات استثمارية بخدمات سيئة، يذهب مردودها إلى جيوب قيادات المليشيات، والمجهود الحربي، فيما الموظف في تلك المؤسسات يعيش ظروفاً ماديةً صعبة، نتيجة توقف راتبه منذ ما يزيد على عامين، بسبب رفضها صرف رواتبهم أو توريد الإيرادات إلى البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن، حتى تتمكن الحكومة الشرعية من دفع الرواتب.

 

ففي ظل سيطرة المليشيات على إدارة المستشفى تحول من المرتبة الأولى في الجمهورية من حيث خدماته وتميز كادره الطبي، إلى أدنى المراتب ومن مستشفى حكومة إلى مستشفى خاص من حيث الأسعار، فلا خدمات مجانية للمواطن، ولا كادر طبي متميز، وجميع الخدمات الطبية أصبحت رسومها مرتفعة تضاهي رسوم المستشفيات الخاصة، بل وحولته المليشيا إلى أكاديمية تدريبية برسوم عالية تذهب إلى جيوب إدارة المستشفى التي يرأسها الدكتور عبداللطيف أبو طالب، وأجّرت أقساما منه لأسر هاشمية بمبالغ تصل بعضها إلى ثلاثة ملايين ريال في الشهر الواحد.

 

مغادرة الكادر الطبي

فمنذ سيطرة المليشيا على المستشفى، اضطر الكادر الطبي المتميز في المستشفى إلى المغادرة بعضهم نتيجة ممارسات الإدارة، والبعض نتيجة عدم دفع رواتبهم في الوقت الذي يدخل صندوق المستشفى عشرات الملايين، ما أصاب المستشفى بشلل وموت سريري، عجزت الإدارة المليشاوية عن معالجته.

 

وحسب ثلاثة مصادر طبية شددت على عدم ذكر أسمائها، فإن أطباء المستشفى اضطروا لمغادرة المستشفى والبحث عن عمل في مستشفيات أخرى، بعد رفض إدارة المستشفى دفع رواتبهم، نتيجة تفاقم معاناتهم.

 

وطبقًا لذات المصادر، لا يوجد حاليا سوى طلاب الدراسات (طلاب البورد) الذين يعملون بالمستشفى بدون مقابل، متابعة: الكادر التمريضي حاليا يتم استبداله من الطلاب الذين تقوم إدارة المستشفى بتدريبهم في الشؤون الاكاديمية بالهيئة، ويدرسون على حسابهم دورات لمدة شهر، وبعضهم شهر ونصف، والبعض دورات لمدة فترات تتراوح بين ثلاث أيام وأسبوع.

 

ونتج عن ذلك تدهور الخدمات الطبية في المستشفى بشكل كبير، حسبما تقوله المصادر، التي تؤكد عدم كفاءة طلاب البورد بنفس مستوى الكادر الطبي القديم في المستشفى.

رسوم باهضة مقابل خدمات سيئة

وأكثر من ذلك، اصبحت الخدمات الطبية السيئة تُقدم بأسعار باهضة، ويدفع المرضى كل المبالغ وبسعر يقارب أسعار المستشفيات الخاصة، بما في ذلك الأدوية التي كان المستشفى يقوم بتوفيرها سابقًا مجانًا للمرضى.

 

ويؤكد طبيب تخدير في المستشفى طلب عدم ذكر أسمه، دفع المرضى رسوما عن كل الخدمات الطبية، فضلًا عن شراء جميع الأدوية من خارج المستشفى بما في ذلك الحقن الفارغة (المحاقن) التي يبلغ قيمتها عشرة ريالات، متابعًا حتى على مستوى إبره إنعاش القلب (اتروبين) التي لا يزيد سعرها يبلغ عن 50 ريالا باتت منعدمة في المستشفى الذي يفترض أن يوفرها لأن المريض يدفع، لكنه يشتريها من خارج المستشفى في زمن سيطرة ميليشيات الحوثي.

 

ويقول الطبيب، في إحدى المرات توقف قلب مريض في قسم الأنف والحنجرة، تخيل يبحثون عن هذه الإبرة داخل القسم وهي غير موجودة، فاشتروها من خارج المستشفى، وكاد المريض يفقد الحياة.

 

وعند سؤالنا عن سبب انعدام الأدوية في المستشفى، كشف المصدر عن قيام إدارة الهيئة بتأجير غرفة في طوارئ المستشفى لأحد الأشخاص من بيت المتوكل مقابل أن يدفع بالشهر ثلاثة ملايين وستمائة ألف ريال، حيث تذهب أدوية المستشفى إلى هذه الصيدلية لبيعها، وفيما يذهب إيجار الصيدلية إلى جيوب المدراء في الهيئة.

 

ولا يتوقف الأمر عند ذلك ، بل يتعدى إلى بيع أدوية المنظمات التي تقدم الدعم ببعض العلاجات وتقوم إدارة المستشفى ببيعها في السوق خارج المستشفى، حسبما قاله المصدر.

 

يضاف إلى ما سبق، رفض تقديم الخدمات الطبية للكادر الطبي العامل في المستشفى، وتشترط عليهم الإدارة دفع تكاليف جميع الخدمات الطبية والأدوية، رغم امتلاكه تأمينا صحيا داخل المستشفى.

ويشير المصدر إلى تعرض أحد زملائه لجلطة في القلب، ويحتاج حاليًا قسطرة قلبية، ولم يقم المستشفى بدعمه، رغم امتلاكه تأمينا داخل المستشفى، وحاليًا لا يقدر على شراء الأدوية والقسطرة نتيجة الظروف الصعبة التي يعيشها جراء توقف راتبه منذ ما يزيد على عامين.

 

واتهم المصدر، إدارة الهيئة بدعم المجهود الحربي واللصوص والسماسرة، حد قوله، متابعًا أنه وزملاءه حاولوا توفير ما يلزم للمريض بعيدًا عن الهيئة.

 

وأثار تصرف الهيئة تجاه الموظف غضبا واسعا في الطاقم الوظيفي الذي طالب إدارة الهيئة بتوضيح أين تذهب الإيرادات، إذا كانت غير قادرة على دعم موظف بسيط، أو إغلاق المستشفى.

 

استثمار أكاديمي في المستشفى

في ظل سيطرة المليشيا، لا يتوقف الأمر عند تدهور الخدمات ورفع أسعارها، إنما يذهب إلى تحويله أكاديمية وكأنه معهد خاص، وفق ما يقوله المصدر الذي يضيف، أن الأكاديمية هي تأهيل للكادر الطبي داخل الهيئة مجانًا، لكن إدارة الهيئة فرضت رسوما على الكادر لكي يتأهل رغم معرفتها أن الكادر بدون راتب منذ ما يزيد عن عامين.

 

وفتحت إدارة الهيئة أبواب أكاديمية المستشفى لكل من يريد الدراسة من خارج المستشفى وبأسعار متفاوتة، تذهب إلى جيوب مديريها، والمجهود الحربي.

 

وأمام كل ذلك، فلا مجال للمقارنة بين حال هيئة مستشفى الثورة بصنعاء قبل سيطرة ميليشيات الحوثي الانقلابية وما بعدها، ففي السابق كان المستشفى المكان الذي يقصده المواطن اليمني من أي محافظة في الجمهورية، لخدماته المجانية والمتميزة كونه مستشفى حكوميا، أما اليوم لا مواطن يفكر في الذهاب لتلقى العلاج فيه، بعدما غادر الكادر وتدهورت خدماته وارتفعت أسعارها.

 

ويمكن القول أن حال هيئة مستشفى الثورة تعيش موتا سريريا تحتاج إلى عناية مركزة تتابع حالته أملًا في إنقاذه لكن لا يبدو أن هناك مجالا أو أملا في التدخل لإنقاذه في ظل سيطرة المليشيا عليه وعلى العاصمة صنعاء بكاملها.

 

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية