بمناراته الست الشاهقة، وقبابه الرابضة على سطحه الفسيح، وباحته الكبيرة المتشحة بالخُضرة؛ يبدو مسجدُ الصالح الواقع في ميدان السبعين وسط صنعاء من بعيد وكأنه القلب النابض للعاصمة. لطالما كان هذا المسجدُ المطرز بحداثة المعمارين الإسلامي واليمني معًا، مقصدًا للناس لأداء الصلاة في بقعةٍ مظللةٍ بالروحانية والصفاء الروحي.
 
يتحزّم المسجد المغطى في وجهاته الخارجية بالحجر الجيري الأبيض، بأحزمة زخرفية من الحجر الأحمر، بينما كُسيت أعمدته الداخلية بأحجار الغرانيت الأحمر المنقط بالأبيض، وفي باحة الصرح الداخلي الذي يتسع لأكثر من أربعين ألف مصلٍّ نُقشت على الجدران وتجاويف القباب أكثر من 700 آية قرآنية من 62 سورة.
 
يبدو الوضع اليوم مختلفًا فيما يخص مسجد الصالح عمّا كان عليه المسجد في الماضي؛ إذ تبدو على جنباته ندوبٌ طاغيةٌ تشير إلى مستوى الإهمال الذي تعرض له المسجد، إلى درجة أن نوافذه المقوّسة على طريقة فن المعمار في صنعاء وبعض من نوافذه الأخرى، أضحت محطمةً تمر من خلالها الأتربة بسهولة إلى رحاب الصلاة، وتتسلل عبرها العصافير لبناء أعشاشها فوق البروز الهندسية على الجدران العالية.
 
مراسلُ "2 ديسمبر" والذي يعمل متخفيا خشية على حياته كان البارحة زائرًا للمسجد، بعد أيامٍ من أمطار غزيرة شهدتها صنعاء، تسللت على إثرها المياه من خلال تشققات وتصدعات في سقف المسجد إلى الداخل، عوضًا عن الرش المصحوب بشدة الرياح، والذي يمر إلى الداخل إما عبر النوافذ المحطمة، أو الفجوات الموجودة على أماكن معينة في جدران المسجد، وهي ناجمة عن إطلاق أعيرة نارية من قِبل الحوثيين أثناء إنتفاضة ديسمبر.
 
بمجردِ أن يضع الزائرُ قدمه على عتبة الباب المؤدي إلى الساحة الخارجية، يرى على السور لواصق وشعارات تمجد المشروع الحوثي الإيراني  وتغذي ثقافة الكراهية وتدعو للعنف، في إحدى الشعارات كُتب أن الهالك حُسين الحوثي مؤسس المليشيا  الإرهابية "قرآن ناطق" فيما شقيقه المتزعم للمليشيا عبدالملك الحوثي "علم هُدى" وعشرات الشعارات التي شوّهت السور الخارجي.
 
في داخل الفناء، عديدٌ من أعمدة الإنارة ملقاةٌ على الأرض، وهنالك مجموعة من الأضواء لم تعد تعمل أو أنها مكسرة، كما أن البلاط المنظوم في الممرات المؤدية إلى داخل المسجد من باحته الخلفية بعضها أصبحت إما مخلوعةً أو مكسورة، في حين يظهر أن مجموعة من مقابض الأبواب صارت منزوعة تمامًا، والمفاجأة الصادمة كانت في الداخل، حيث توجد مجموعة من الآنية البلاستيكية تتوسط صرح الصلاة لتلتقف ما يسقط من قطرات مياه لا زالت عالقةً في جوف السقف.
 
ويشكو زائرو المسجد من انتشار رائحة كريهة ناتجة عن ابتلال بساط الصلاة بالمياه المتسللة للداخل، وعدم معالجته فورًا؛ نظرًا لقيام الحوثيين بنهب العديد من أدوات التنظيف الخاصة بالمسجد، بما فيها المكانس الكهربائية الخاصة بشفط المياه وتبخير البلل المختبئ في نسيج البساط.
 
في 21 نوفمبر 2008م، افتتح الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح جامع الصالح الذي كلف بناؤه أكثر من 60 مليون دولار ليكون تحفة معمارية يطغى عليها فن العمارة اليمنية، ومنبر للإشعاع الفكري والديني على مستوى اليمن والمنطقة العربية. واليوم وبعد نحو عقد ونصف العقد على افتتاح هذا الصرح، يكرس الحوثيون ثقافة الحقد ضد كل ما يمتّ للدين الإسلامي بعد تحويلهم هذا الصرح إلى مركز لترويج الفكر الطائفي وثقافة العنف، وتركه مهملًا يفقد بريقه المشرق يومًا تلو آخر.

أخبار من القسم

تطورات الساعة

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية