فيما الجهودُ المحلية والدولية تنصبُّ لحلحلة ملف الأسرى والمعتقلين ضمن أولويات بناء الثقة لتقليل العقبات التي تعيق سير قاطرة السلام المتعثّرة؛ تفوحُ رائحة الموت من داخل السجون والأقبية التي تحتجز فيها المليشيا الحوثية آلاف الأسرى والمعتقلين، معرضةً إياهم لصنوف من التعذيب المميت إلى درجة ينتهي المطاف بالبعض إلى الموت الحتمي.
 
كان صادمًا خبرُ البارحة؛ أسيران، أحدهما من حراس الجمهورية (ليث عبدالعزيز أحمد عبدالله)، وقعا في قبضة وُكلاء إيران في اليمن (الحوثيين) مطلع العام 2021 وهما في أتم العافية، وتم تسليمهما، أمس الثلاثاء، عبر الصليب الأحمر الدولي، للمستشفى العسكري في تعز وهما جثتان هامدتان، وعلى جسديهما خارطةٌ مفصلة للموت البطيء رسمتها سياط التعذيب الذي تعرضا له على أيدي سجاني المليشيا الحوثية.
 
وبما يتجاوز الأعراف والمبادئ الإنسانية المنصوص عليها في القانون الدولي الذي يوفر طائفة واسعة من أنماط الحماية لأسرى الحرب؛ يُثخن الحوثيون الأسرى المحميين بموجب قوانين حقوق الإنسان بفرط التعذيب، فما إن يُنقل الأسير أو المعتقل إلى القبو المعتم يبدأ السوط فرقعةً في الهواء لإنزال أشد العذاب بهم بمنتهى الوحشية والانتقام، وغالبًا ما يُفضي إلى الموت.
 
تنص المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الثاني، على أن الأشخاص الذين حُرموا من حريتهم لأسباب تتصل بالنزاعات غير الدولية، يجب معاملتهم معاملة إنسانية في جميع الأحوال، وهم يحظون بالأخص بالحماية من القتل والتعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة؛ لكن السيناريو الذي تتبعه المليشيا في تفسير هذه البنود لا يخلو من الغلو والانتقام في التعامل مع الأسرى بثقافة التطرف والإرهاب، دون الاحتكام إطلاقًا للمبادئ والقوانين الإنسانية النافذة.
 
وفي سياق تجريم هذه الأفعال، وتوفير الحماية القانونية والإنسانية للأسرى والمعتقلين بما تضمنه لهم الاتفاقات الدولية، ثمة حالة من التماهي أقرب منها إلى اللا مبالاة سواء من المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، بحيث ضمن هذا الصمت المطبق الغطاء للمليشيا للمضي في هكذا ممارسات لا تقل فظاعةً عن ممارسات نظيراتها من الجماعات المتطرفة كالقاعدة وداعش، من حيث الأساليب التي يتم بها التعامل مع أسرى الحرب والمعتقلين المدنيين.
 
ولا يمكن أن تفسر المليشيا الحوثية حالة الصمت الدولي تجاه جرائمها المروّعة بحق الأسرى والمعتقلين، إلا باعتباره غطاء يبرر لها إضافة حلقات جديدة إلى سلسلة الفظاعات المُرتكبة، وهذا ما يُترجم في استمرارية التنكيل، لا سيما وأن هذين الأسيرين لم يكونا أول من يُصفى في السجون الحوثية، إنما هما حلقتان في سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تعرض لها مئات الأسرى والمعتقلين لدى الحوثيين، كثيرون منهم خرجوا من السجون مفارقين الحياة، وبعضهم على شفا الموت يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أيام على تذوق الحرية خارج قضبان المعتقلات.
 
وبينما تعكف الأمم المتحدة لإنهاء دورات القتال، مدفوعةً بتأييد المجتمع الدولي الطامح لتسوية سياسية بتصوّرات غير مكتملة وتقديرات نمطية؛ تشتد الأزمة تعقيدًا جراء هذه الممارسات، تعذيب الأسرى وقتلهم، مع تجاهل الأمم المتحدة هذه المخاطر والنظر إليها كقضايا جدلية قابلة للتأجيل والترحيل، أو بالأحرى ليست جديرة بالاهتمام؛ لكن التغاضي عن إبداء موقف حازم إزاء جرائم تصفية الأسرى في السجون الحوثية، لا يُمكن أن يُبرر، ولن يُفهم إلا على أنه تغاضٍ لجرائم مدانة ومحرّمة في القانون الدولي جملة وتفصيلًا.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية