ثورة ٢٦ سبتمبر يجب أن تلهم الناس في الداخل، حيث الكهنوت؛ فهي ثورة من عمق الكهنة، وبِقِلة من الرجال وبلا إمكانيات استطاعوا إسقاط عرش الكهنوتي أحمد وابنه البدر، بل إسقاط عرش ألف سنة ظلامية..
 
يمكن للعزيمة أن تعيد صناعة الحدث وهذه اللحظة، يكفي أن تعتزم وبقلب من صلابة وإيمان عميق بالجمهورية أن يتحول الفرد إلى عشرة، والعشرة إلى مائة، والمائة إلى ألف والألف فرد- بإيمان وعزيمة عميقين- إلى شعب، خاصة أن الشعب كله ضد الكهنة وفقط يحتاج للترتيب، فمن ينهض ويرتب جمهورية الناس في عمق الكهنوت، من؟
 
أنت تستطيع، كل إنجاز عظيم بدأ بفرد واحد، ذات زمن كان هناك تيموجين في سهول منغوليا، رجل كعامة الناس لا يعرفه أحد، شاهد ناس البلاد تلك بلا شيء يجمعهم وقرر، وإن قام بجمعهم على شرع دموي فلقد نجح، ولأن عزيمته أقوى من براثن الشتات استطاع أن يحقق منجزه الذي طاف به الأرض، وصارت تهابه الجهات والسلطنات والقوميات وطاف بشريعته اليوسا أركان الدنيا وتحول من شخص عابر في مجاهل منغوليا إلى ابن الشمس ثم إلى الإله الأول للتتر والمغول، وحُكمت باسمه قارات وبلدان، وسلالات ذهبية وفضية وبرونزية توارثت سطوته، جعلوا من وسط العالم ملعباً للرعب، حدث ذلك لأن أحدهم اسمه تيموجين أراد ذلك وحمل لقب جنكيز خان. 
 
يكفي أن تعزم وتنحت بالصخر، صخر الملمات، وأن تؤمن بفكرة، للمرء قواه الكامنة والعظيمة شريطة ألا يكل أو يمل، هكذا فعل كبار الأباطرة عبر التاريخ، كل إمبراطوريات الدنيا بدأت بشخص واحد لا يعرفه أحد ثم خلدتهم العصور، وفي بلدنا هذا في اليمن الأمر أسهل، عليك فقط كفرد أن تشعر بدورك، فالكهنوت الذي يستبد بك هو نفسه قبل عشرين سنة كان فرداً، ثم جماعة قليلة ثم تكاثر وها هو الآن طاغية وسطوة..
 
لك أن تقرأ كلامي هذا وتفكر، ولك أن تبدأ برسم دائرة صغيرة حول الموثوقين والذين سيؤمنون بالتضحية، ومع الوقت تكبر الدائرة وتتسع  ومريدو الجمهورية كُثر، بل كل الناس، والخوف فقط من يمنعهم، وفي دائرتك سيّج بالسرية والعمل المنظم فكرتك، ورجالك، وتأنَّ؛ فلا أفجع من التسرع، عدم التأني هو فشل كل الأعمال العظيمة، بل تأنَّ، تأنَّ..
 
الداخل مليء بالشجعان، المظلومين، الميتين بالجوع، الذين يفكرون بالانتحار هرباً من الواقع؛ فالواقع هو الخزان الذي يملأ فكرتك، جمعهم سيكون إنقاذاً لهم وبهم تستطيع فعل كل شيء، وإلى اللحظة أقول لك: لا تتسرع، بل التأني فقط، ومؤكداً ستنجح فكرتك، والفارق أن الناس يمكنهم فعل ذلك كأفراد ولكن القادة أقل من كل شيء، وهؤلاء الناس ينقصهم قائد، فلتكن أنت، وجود قائد يعني وجود فكرة جامعة للناس والحق معك، ومن معه الحق لا يخاف وإن فشل، أن تفشل خير من البقاء رهين الذل والمهانة، فهل يمكنك فعل ذلك؟ ألك شجاعة ككل العظماء؟
 
العمل السري هو الملاذ، كل الثورات عبر التاريخ نواتها عمل سري مدجج بالعزيمة، فهكذا فعل الضباط الأحرار قبل ستين سنة، اليمن والشام والعراق وفي مصر وبكل وجهة، في أوروبا وفي آسيا، وفي كل البلدان التي عانت من الاستبداد، ولكن لاحظ أن العمل السري في الشمال اليمني لم يبدأ، وجغرافية البلاد وسهولة التواصل وكثرة المؤمنين بالجمهورية يجعل الأمر أسهل، في العزل والمديريات وفي المدن، الجبال آمنة مستعصية، الخوالي من البلاد تتيح لك أن تقول وتتحدث وأن تخمر فكرتك دون أن يلحظ أحد، يكفي أن تكون ذكياً، وتتوفر بيئة ساندة لك، من المجال المحرر، يكفي أن تثق بنفسك وبقضيتك وأن تكون مستعداً للتضحية؛ فالداخل هو الرهان الحقيقي لتحقيق النصر، أقصد العمق حيث الكهنوت، ولا مجال للخوف، يجب الاعتبار أن الموت ليس شيئاً سيئاً بل نبيلاً للمرء، وعندما تتخلص من خوفك وتعانق الموت بفرح أنت تنجح، وتهب الحياة لملايين الناس.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية