خلال نصف شهر، سُجلت ثلاث حالات انتحار بين الأطفال في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، اثنتان منها يوم السبت الماضي 4  فبراير، ما أثار قلقًا متزايدًا في الأوساط الأسرية، مع تفشي الظاهرة على نحو باعث للريبة، لا سيما وأن الانتحار بين الأطفال لم يكن منتشرًا من قبل كما هو اليوم.
 
وأعلنت شرطة محافظة تعز تلقيها بلاغين يوم السبت الماضي "بإقدام الطفل كريم عبدالكريم محمد عبدالله- البالغ 12 عامًا، ويسكن في حي الجمهوري- على الانتحار، عن طريق لف مقرمة على رقبته أدت إلى وفاته.. كما تلقت الشرطة بلاغًا آخر، مساء اليوم ذاته، بقيام الحدث عمار خالد إسماعيل- البالغ 16عامًا، ويسكن في حارة الدار بيرباشا- بالانتحار عن طريق لف حبل على رقبته وربطه على خشبة باب المطبخ في حوش المنزل، ما أدى إلى وفاته على الفور".
 
وقبل هاتين الحادثتين بيوم، أفاد سكان محليون في محافظة شبوة بانتحار طفل في مديرية مرخة يبلغ من العمر 10 سنوات، بينما سبقهم الطفل "مهيوب" بالانتحار من خلال إطلاق النار على نفسه في الحي الذي يسكنه جوار جامع السعيد بمدينة تعز في الـ22 من يناير المنصرم.
 
ولا توجد إحصاءات مثبتة ودقيقة عن حالات الانتحار في صفوف الأطفال، لعدم وجود هيئة رصد مستقلة قادرة على العمل في كل أنحاء البلاد نظرًا لظروف الحرب؛ لكن على نحو مستمر تُرصد حالات انتحار بين الأطفال غالبًا ما تكون عبر الشنق، وفي بعض الحوادث القليلة عن طريق القفز من مرتفعٍ شاهق أو إطلاق النار.
 
ولم تقتصر حالات الانتحار على محافظة دون غيرها، حيث وُجِدت بعض الحالات المثيرة للجدل للمنتحرين؛ إذ إن الطفل يلجأ إلى توثيق عملية الانتحار لتتعمق حالة الصدمة حيال هذا التنامي الخطير للظاهرة، كما حدث مع طفل في ربيعه البالغ من العمر 12 عامًا، في سبتمبر الماضي، عندما أطلق على نفسه النار في قرية المعزبة بمنطقة صهبان في مديرية ريف محافظة إب، أمام كاميرا الهاتف التي وضعها قيد التشغيل لتوثيق لحظة الانتحار.
 
على هذا الصعيد، تحدثت الدكتورة عبير درهم، المعالجة النفسية الإكلينيكية لوكالة "2 ديسمبر" حول هذه الظاهرة الخطيرة التي أشارت إلى أنها لا تتعلق بفئة عمرية محددة، وينبغي التعامل معها على أنها ظاهرة مقلقة قد تحدث بين الصغار أو الكبار على حد سواء، بناءً "على شدة الضغط الذي يمر به الإنسان أيًا كان عمره".
 
ولفتت درهم إلى أن مؤشرات الانتحار تظهر اتساقًا مع مستوى المشاكل والضغط الذي يواجهه الطفل، حيث تتولد لديه رغبة في الانتحار.. موضحةً أن ارتفاع نسب الانتحار بين الأطفال في ظل الحرب ناتج عن عوامل متعددة تولد ضغطًا نفسيًا يقود لهذا الخيار، مثل "الظروف الاقتصادية، البُعد الأسري فيما يتعلق باحتضان ورعاية الطفل، والنقص في الحاجات المعنوية والمادية، والتفكك الأسري وغياب التواصل الفعال بين الأم والأب، والمشاكل الأسرية، إضافة إلى ضعف الوازع الديني الذي انعكس في ارتفاع معدلات التحرش والاعتداءات على الأطفال، وعدم وجود القدوة".
 
وأكدت المعالجة النفسية الإكلينيكية، أن غياب الرعاية الأسرية تخلق حالة عزلة لدى الطفل تظهر تباعًا على شكل انطواء واكتئاب، وقد تتحول إلى سلوك عدواني، ومن ثم تفكير في الانتحار الذي يلجأ إليه الطفل في أي لحظة لإنهاء حياته وكخيار أفضل للتخلص من هذه الضغوط التي يشعر بها.
 
وأشارت إلى أن تنقلات العوائل من مكان إلى آخر بمشيئة الحرب وظروفها تؤدي إلى تغير مزاج الطفل الذي يبدأ في تلقي صدمات نفسية؛ بسبب تغيّر محيطه وعلاقاته بمن حوله ولا يستطيع التأقلم مع واقعه الجديد.. مضيفة أن "غياب الاستقرار النفسي والاجتماعي، وكذا الصدمات النفسية" كلها أسباب قد تقود إلى هذا الطريق المميت.
 
وذكرت درهم، أن الطفل قد يكون يعاني من فصام، أي أنه يرى أشياء مرعبة على شكل هلوسة بصرية، وأن هذا السبب، الذي يجهله كثيرون، يدفع أحيانًا الطفل إلى الانتحار.. منبهةً إلى أهمية أن "تحتوي الأسر أطفالها للحيلوية دون خسارتهم".
 
كما نبهت إلى أن هناك مظاهر تغير في الشخصية والتصرفات تُلاحظ لدى الطفل، وكلما تبينتها الأسرة ينبغي عليها أن تبادر إلى الحلول مباشرة وأولها احتواء الطفل، وأن تعمل على معالجة اضطرابات الاكتئاب والاضطرابات السلوكية، لدى طبيب مختص، وتسعى إلى سد احتياجات الطفل، المادية منها والمعنوية.
 
وطبقًا لموقع البنك الدولي، فقد وصل معدل الانتحار عام 2019 بين سكان اليمن إلى 5.8 لكل 100 ألف نسمة، لكن يبدو أن الظاهرة تزايدت على نحو مضاعف خلال الثلاثة الأعوام الماضية؛ إذ وبحسب منظمة الصحة العالمية فعلى مستوى الجنس كان معدل الانتحار أعلى بين الذكور منه بين الإناث بمعدل 7 و4.6 لكل 100 ألف للذكور والإناث على التوالي.
 
ووفق دراسة سابقة نشرها موقع WORLDLIFEEXPECTANCY، تحت عنوان "ضرورة منع الانتحار في اليمن: تحديات وتوصيات- مراسلات"، بلغ عدد الوفيات المرتبطة بالانتحار 1699 حالة في عام 2020، وهو ما يمثل 1.09 من إجمالي الوفيات في جميع أنحاء البلاد.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية