يُرى للقادم من قرية الطائف صوب قرية المنقم، بمحاذاة مدينة الدريهمي، عشرات الأسر المنكوبة من حرب وحصار مليشيا الإرهاب الحوثية، انتهى بها الحال إلى التهجير أو الخروج في سبل النجاة في مقصد أمكنة آمنة تلبي الهدوء على أقل تقدير، حيث قصدت الأسر الخارجة من الدريهمي الطريق الجنوبية وخاضت ساعات طوال في الصحراء الممتدة على مرأى البصر، بعضها استوطن تحت الأشجار والبعض واصل السير إلى ما شاء الله.

 

التقى فريق "وكالة 2 ديسمبر" مجموعات متفرقة من النازحين، بعضهم تحدثوا عن واقع الحال في مدينتهم، والبعض التزم الصمت لشعوره بالتوجس، بينما رفض الجميع أن نلتقط صوراً لهم، لانتيابهم الخوف من انتقام المليشيات الحوثية من أهاليهم الباقين في الدريهمي، وعند مطلبهم نزل الفريق وكف عن تصويرهم.

 

تلقى فريق الوكالة شهادات عدة  من السكان الذين تفهموا الحاجة  لنقل معاناتهم، غير أن قصة السيدة "حسينة" كانت الأكثر تأثيراً، إذ قدمت إجاباتها في لحظة  كانت تمطر فيها دموعاً على فتاها الذي قتل أمام ناظريها في طرف المدينة، برصاصة  مسلح حوثي فتح النار عليه من مسافة عشرة أمتار على الأقل وأرداه قتيلاً أمام أمه وثلاثة من إخوانه بلا مبرر. تقول العجوز أنها كانت تسير بمعية ابنها للخروج وأوقفهم عنصر حوثي ومباشرة قام بإطلاق وابل من الرصاص على ابنها وأجبرها على الخروج تاركاً جثة فتاها البالغ 17 عاماً مرمية على الأرض.

 

والتجأت مجموعة من الأسر المهجرة إلى بقاع آمنة في منطقة الجاح، وما تزال في حاجة ماسة للغذاء والمياه والمواد الإيوائية، وكل ما تتحصل عليه هذه الأسر حالياً، عبارة عن إغاثة عاجلة يقدمها الهلال الأحمر الإماراتي لسد الاحتياجات اللازمة، بينما يمتلئ المكان يومياً بعشرات الأسر الوافدة إلى هناك.

 

بين الأسر النازحة في منطقة الطائف خلف القلعة الأثرية، ثمانِ أسرٍ ما تزال تفقد بعضاً من أفرادها في المدينة، فالمواطن الشائخ "ناصر" لا يعلم عن زوجته شيئا، قال إنه غادر معها المدينة وانقطعا في الحي المجاور عند هربهما من قذيفة سقطت في المكان، ولا يدري إلى الآن ما مصير زوجته، أما الطفل "منير" فتحدث مجهشاً بالبكاء عن أسرته المكونة من 7 أفراد كلهم أطفال ما عدا أبويه، والتي شقت طريقاً آخر للنزوح يُحتمل أن تكون قد التجأت للجاح، إلا أن الأمر غير مؤكد حتى اللحظة.

 

ولا تتوافر إحصائية دقيقة لعدد النازحين نظراً لكثافة الوافدين، فخلال خمس ساعات من الزيارة إلى الجاح والطائف، لوحظت 12أسرة تصل إلى أماكن النزوح، وعلى متن عربات عسكرية كانت القوات المشتركة تقل نازحين خرجوا من جحيم الحرب، وتوصلهم إلى حيث يريدون، يضاف إلى ذلك نازحون تمت رؤيتهم في الطريق الأسفلتي يمضون إلى سبيل لا نعلمه.

 

وقالت نازحة من المدينة لطاقم الوكالة: "خرجنا من الدريهمي الصباح ولما (عندما) خرجنا هددونا الحوثيين بالقتل وأخرونا للظهر وضربوا بعض النازحين، ولما جاء الظهر سمحوا لنا، نمنا في الصحراء بعدما مشينا للمغرب، وبكرنا اليوم الثاني مشينا للخط وطلعنا مع طقم عسكري (عربة للقوات المشتركة) إلى الجاح".

 

من جهته شكا المواطن "سعيد" من ضرب تعرض له في نقطة أمنية تابعة للمليشيات الإرهابية في طريق فرعي -تم تحريره مؤخراً- وقال سعيد "ضربوني قالوا إني داعشي، ضربوني بعصا وضربوا رصاص لعندي وحبسونا يومين وبعدين فكوا لي". الآن يشعر سعيد بالأمان بعد أن صادف أسرته الفارة من لهيب الحرب إلى الجاح، ويعيش معها عند أحد أقاربهم هناك في خيمة قش يتجمع فيها 8أفراد، وهم أسرة سعيد بكاملها.

 

معاناة السكان في الدريهمي فاقت وسوم الجرم، إذ يصر الحوثيون على ارتكاب البشاعات بحق المدنيين هناك، في آخر لحظات بقاء المليشيات الحوثية المدعومة من إيران في الدريهمي، ذلك يجعل استنفار القوات المشتركة وإصرارها كبيراً لاستعادة المديرية كاملةً وتأمينها، ثم تهيئتها لعودة السكان المهجرين والنازحين إلى منازلهم.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية