لم تنجُ المرأة اليمنية من جبروت الطغيان الحوثي مهما كانت صامتة ونائية عن شؤون السياسة؛ إلا أن سلطة القمع هناك حشرتها في أروقة الانتهاك والاعتقال والخطف والسجون السرية، ما جعل هذا السلوك أقبح ممارسة واعتداء في تاريخ اليمن المعاصر، وخرقاً سافراً لكل أعراف المجتمع والدولة وحقوق الإنسان حتى بات الموضوع كارثة تعذيبية بمقاييس جوانتنامو وأسوأ أيضاً، بما لا يخطر على بال المافيا ومجرمي الحروب.
 
عملياً: يمكن القول إن المرأة في مناطق سيطرة الحوثي ضحية للانتهاك "النظري" بشكل عام في المدارس والجامعات والدوائر الحكومية، مخنوقة بالصمت والقمع والتطييف والتحشيد وإحياء الطقوس الحوثية، وتدمير حياتها بالجوع والفقر والجحيم الذي تقبع فيه عموماً؛ لكن الانتهاك "التطبيقي" هو ما نعنيه، ذلك الذي يشمل الخطف/ الاعتقال/ السجن/ التعذيب بناءً على تُهم باطلة وحجج مصنوعة لتبرير تلك الجرائم. الصورة الأكثر فداحة أن تلك السلطات تنظر للمرأة كوسيلة لتحقيق غايتها، وجني المكاسب من خلالها؛ فأغلب الحالات التي فاح صيت سجنها كانت تُهمها أنها رفضت طلب المليشيات منها السير في طريق الرذيلة والفحش مع سياسيين وشخصيات لا تثق بولائهم، فابتكرت حيلة إيقاعهم في شباكها عبر تصويرهم مع فتيات في أوضاع مخلة لإذلالهم وتركيعهم، الشاهد هنا أن هذا السلوك قوبل بالرفض وكانت النتيجة مئات من النساء أودعن في سجون سرية، ومن ثم اتهامهن بذات الفعل، يا لها من مفارقة غريبة وتعذيب ثنائي أصاب اليمنيات!
 
الإحصائيات التقريبية لمنظمات حقوقية تشير، في تقارير سابقة، إلى أن ما يقارب (1800) امرأة قابعات خلف القضبان السُّلالية، معظمهن حقوقيات صحفيات إعلاميات ناشطات ثقافيات وفنيات، ومنهن المسالمات الصامتات سيئات الحظ قادهن القدر مع رفقتهن إلى ذات المصير، وبعضهن فتيات قاصرات، تنوعت أساليب القبض عليهن (اختطافات/ إخفاءات/ احتيالات إغاثية)، وبعدها تبدأ سلسلة من العذابات والاغتصابات والإخفاءات القسرية والأحكام غير القانونية؛ وهذه الفظاعات بحق اليمنيات العفيفات ترتكبها ما تسمى دائرة (الزينبيات) المجرمات كفاعلات رئيسيات مدبّرات ومنفذات ثم سجانات وجلادات سُلاليات شبقات، انتقاميات بائسات من بني جنسهن اليمنيات.
 
لا أحد يتخيل أن الموت أمنية لكل المعتقلات في (جوانتنامو الزينبيات) في صنعاء، أفلحت أربع فتيات بنيل هذه الأمنية وفشلت تسع حالات، ليس من بينها محاولة الناشطة "انتصار الحمادي"، والإقدام على الانتحار في منطق السجون يعني أن أصناف التعذيب والاغتصاب فوق قدرة التحمل والصبر، ولا يمكن التعايش معه مطلقاً.. عن أي مأساة نتحدث هنا؟! عن إذلال إنساني واجتماعي يتجرعه مجتمع محافظ لم يألف أن تبيت الفتاة فيه خارج منزلها حتى يوماً واحداً، فما بالك بسنوات من القهر والإخفاء والمصير الغامض لبناته ونسائه؟! وفي هذه النقطة بالتحديد، هناك مئات من حالات الاختطاف والاعتقال المباغت بحق الكثير من النساء اللائي لبثن مدة قصيرة في المعتقل ومن ثم جرى إطلاق سراحهن بعد دفع أهاليهن أموالاً باهظة والتزامهم بالشروط الإجبارية والتعهدات المكثفة، ومن بينها كتمان أخبار الاعتقال نهائياً، إما نزولاً عند رغبة الظالم، أو حفاظاً على السمعة وشرف العائلات، ما جعل مثل هذه النماذج بعيدة عن وسائل الإعلام والمنظمات.
 
ما أعاد هذا الموضوع إلى الواجهة حالياً، هو تلك الرواية المأساوية التي حكتها الناجية من (جوانتنامو صنعاء) لقناة الحدث "يسرى الناشري" بعد تمكنها من الإفلات من قبضة العدو والهروب خارج اليمن، لا أعتقد أن أي يمني حر وغيور لم تهزه تلك الرواية التي صورت ما تعانيه المرأة في السجون الحوثية، والطريقة التي يتم بها إيقاعها في شباك سلطة تبيح الرذيلة والفاحشة وتجيزها للنساء طالما أن ذلك في صالح مشروعها السلالي المتخلف.. عن أي شرف وغيرة واحتشام وطهر وهوية إيمانية ومسيرة قرآنية، تتحدث هذه الجماعة التي ترخص الأعراض لبلوغ مآربها، وتتظاهر بأنها حارسة القيم والمبادئ وهي تمارسه بكل السبل وبشتى الوسائل؟!
 
لماذا يصمت المجتمع الدولي عن انتهاكات كهذه، ولا يتخذ أي إجراءات أو ضغوطات؟! هل بلغت مأساتنا هذا الحد من التجاهل واللا مبالاة، فلا يأبه لعذاباتنا أحد؟! تباً لهذا الزمن الأفّاق.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية