ظلت التمويلات المعلنة من قِبل المانحين طول سنوات الحرب في اليمن محط مثار للجدل؛ نتيجة الغموض وانعدام الشفافية من قبل الأطراف المرتبطة بها سواءً وكالات الإغاثة الأممية والدولية، أو الأطراف المحلية وعلى رأسها المليشيات الحوثية، وما رافقها من تقارير فساد وتوجيهها لفئات ليسوا المستفيدين الحقيقيين.

توفر التحويلات المالية للمساعدات المقدمة لليمن، معروضاً كبيراً من النقد الأجنبي لمليشيات الحوثي، لأسباب عدة، أهمها: رفض المنظمات الأممية ربط تحويل المساعدات بالبنك المركزي اليمني في عدن، لعدم رغبتها في انتهاج الشفافية والوضوح حول سير ومصير وحجم مبالغ المساعدات.

وكشفت دراسة اقتصادية حديثة أن السبب وراء عدم موافقة المنظمات الأممية ربط التحويلات بالبنك المركزي في عدن لعدم رغبتها في الكشف عن الحجم الحقيقي لأموال المساعدات المُحوّلة إلى البنوك اليمنية (والتي تقل كثيرًا عن إجمالي التعهدات)، حيث قد يؤجج استياء الرأي العام من عمليات الاستجابة الإنسانية التي تتعرض أساسًا للهجوم باعتبارها إهدارًا للأموال.

دراسة تحت عنوان "توجيه التحويلات المالية للمساعدات المقدمة إلى اليمن" أكدت أن منظومة الأمم المتحدة تعتمد هيكلًا مُعقدًا لا يصلح لعمليات جمع بيانات من هذا النوع، والتي تتطلب استثمارًا كبيرًا للوقت وانخراطًا فعّالًا، عبّر شخص آخر من المُقابَلين عن رأيه بصورة أكثر وضوحًا، مشيرًا إلى أنه من غير المرجح أن ترحب بعض وكالات الأمم المتحدة بهذا النوع من التركيز والشفافية، خوفًا من الدعوات المطالبة بمزيد من المساءلة.

وبالنظر إلى عدم رغبة المنظمات الأممية في انتهاج سياسة أكثر شفافية أو التعامل مع البنك المركزي في عدن، فإن الغموض هو الموقف السائد لحجم المساعدات المحولة فعلياً إلى اليمن، وهوية المستفيد الحقيقي الذي يستأثر بالنصيب الأكبر في ظل تقارير تؤكد أن مورد المساعدات يعد أحد الموارد المهمة لمليشيات الحوثي.

وفيما شددت الدراسة على ضرورة "ربط مليشيا الحوثي تحويلات المعونات بتمويل واردات السلع الاساسية"، يؤكد خبراء أن المليشيات تستأثر بالعملة الصعبة من تحويلات المساعدات وتستخدمها بشكل مسيس لتمويل فواتير الاستيراد لصالح شركات تابعة لقياداتها وفقاً لمعايير سياسية.

وتستخدم المليشيات الحوثية موارد النقد الأجنبي من عمليات المساعدات الإغاثية في إجراء عمليات المقاصة وتعزيز أرصدة حسابات شركات تابعة لها في الخارج، عبر بنوك محلية وسيطة تقع مراكزها الرئيسة في صنعاء وتحت إشراف ما تسمى بلجنة المدفوعات التي أنشأتها المليشيات في العام 2018، لإدارة موارد النقد الأجنبي.

وأشارت الدراسة إلى أن لجنة المدفوعات الحوثية يتسم عملها بالضبابية، لا سيما في كيفية تخصيصها لاحتياطيات النقد الأجنبي، حيث تلعب اللجنة الحوثية دوراً رئيساً في اختيار التجار الذين يحصلون على هذه الموارد، رغم إشارتها إلى أنها تعطي الأولوية لواردات السلع الأساسية، وهو ما أكده خبراء أن المليشيات تستخدم هذه اللجنة لدعم شركات قياداتها، فيما تدفع بقية التجار لطرق أكثر كلفة للحصول على التمويلات اللازمة لتوفير فواتير الاستيراد.

وتعارض المليشيات الحوثية بشكل خاص زيادة الشفافية في ممارسات القطاع المالي والمؤسسات المالية الخاضعة لسيطرتها.

الدراسة دعت إلى إنشاء نظام يربط التحويلات المالية الدولية بشكل أقوى بالاحتياجات التمويلية لمستوردي السلع الأساسية والضرورية في اليمن، في الوقت الذي يواجه فيه المستوردون صعوبة في الحصول على الإئتمان اللازم.

وحثت الدراسة البنك المركزي في عدن على الاستفادة من إشرافه على شبكات “سويفت” للمساعدة في رصد التحويلات من منظمات الإغاثة إلى البنوك اليمنية، وأن ينتهج أكبر قدر من الشفافية فيما يتعلق بالإفصاح عن مصدر العملة الصعبة المعروضة للبيع في مزاداته المنعقدة بشكل منتظم، وأن يضغط على البنوك والمؤسسات المُشترية للعملات المعروضة في المزادات لتوضيح متى تُستخدم لدعم استيراد السلع الأساسية، كالغذاء والوقود.

كما نبهت البنوك اليمنية والكيانات التجارية الفاعلة بضرورة نشر معلومات عن الجهة التي اشترت العملة الصعبة المحوّلة من منظمات الإغاثة، والالتزام بآلية تستند إلى توافق الآراء وتعطي الأولوية لاستخدام تحويلات المعونات والمساعدات لدعم شراء السلع الأساسية، كالغذاء والوقود.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية