أن تحتضن "المخا" مدينة البن والتجارة العالمية النسخة الثالثة من مهرجان البن اليمني "موكا"، فهذا حدث ينعش الهُوية اليمنية ويجعل الأذهان تستحضر التاريخ اليمني بصورته المخاوية الناصعة، التي كانت ذات يوم محط أنظار العالم وهمزة وصل في حركة الاستيراد والتصدير العالمية، حيث الاسم الإيطالي موكا كترجمة حرفية لقهوة المخا والبن اليمني كماركة عالمية لمنتج موطنه الأصلي اليمن.

 

وما خطه التاريخ ذات يوم لا يمكن محوه أبداً، حتى وإن أعقبته الانتكاسات وتناسته السنوات، فهو نقطة مضيئة وسط الظلام الدامس، ذلك حال الحاضرة التاريخية مدينة المخا التي يبدو أنها في طريق استعادة ألقها وتذكير العالم باسمها وتاريخها وبنفس السمات التي منحتها الشهرة وحيازة اللقب التجاري كميناء عالمي لتصدير البن اليمني إلى أصقاع الأرض، فهويتها على خريطة العالم متعلقة بهذا المنتوج اليمني وقائمة على ذات النسق والنكهة.

 

تبقى الأمكنة أكثر الشواهد الجغرافية مصداقية وقرباً من حقيقة التاريخ حين تستحضر للتدليل على مجد ما، ولذا كان الحرص على إقامة المهرجان في ذات المكان والزوايا والأبنية القديمة في مدينة المخا القديمة ليكتمل استحضار المشهد التاريخي بكل تجلياته دونما تشويه، وتنبثق لحظة الزهو كما كانت وتتيه خيالات الحاضرين وهي ترسم ملامح الصورة المشرقة لهذه المدينة العريقة وتبتهج بأطياف مجدها وحضارتها.

 

وهذا الحدث يصب في مسار تعزيز العلاقة بين الأجيال اليمنية وبين هوية وطنهم الممزقة والذات اليمنية الغائبة، ومسح الغبار الداكن من الشرفة التي تطل بها اليمن على العالم، فإحياء الهوية اليمنية يشمل كل ما يتعلق بماضيها ولحظاته البراقة وجعله واقعاً حاضراً متوهجاً وليس مجرد حبر على ورق أو حكايات ميتة وإنما إنعاش السردية التاريخية لليمن في مكان ميلادها الأول.

 

يحق لنا أن نتباهى بالبن اليمني ونفخر بارتباطه الوثيق بأرضنا وتاريخنا، وأنه جزء أصيل ومتجذر في ثقافتنا وسلوكنا وصلته العميقة بموائدنا ومشاربنا، نتغنى باسمه ونزغرد بأغانيه ونردد الأشعار والمهاجل المتعلقة به، ونثمل برشفات من مذاقه، ونستنشق عطر أزهاره ونستمتع بلمس فصوصه وأشجاره، لأنه يعكس ملامح شخصيتنا ويبرز خيرات أرضنا وجمالية زراعتنا، وانتمائه لنا أكثر من غيرنا، وعلينا أن نتفنن في احتفالنا بقيمته ونعمل على التعاطي مع الاهتمام بزراعته وتصديره والتسويق لعبقه وأصالته اليمنية وتأكيد هذه الحقيقة في سياستنا الاقتصادية وطريق إصلاح مواردنا وترشيدها بما يخدم استقرارنا ودخلنا القومي.

 

وبما أن المخا في طريقها للصعود والنهوض بحلة جديدة وبنية تحتية ومشاريع تنموية استراتيجية، فلا شك أنها ستعيد لثمرة البن كرامتها وتستأنف ذلك الزخم الذي كان قائماً في هذه المدينة الساحلية الفاتنة، طالما وأن هناك إرادة سياسية عصرية تعمل على استثمار الجوانب الجيواقتصادية للمدينة وإعادتها للواجهة من جديد بمطار دولي وميناء تجاري ومنشآت حيوية متكاملة تناسب متطلبات هذا الشريان التجاري البحري الذي بمقدوره أن يحدث قفزة هائلة في المستقبل اليمني ويزيح عقبة الركود والكساد الجاثمة منذ بداية الحرب، ويعيد لليمن جزءاً من مجده وعراقته ويسجل حضوراً لافتاً له في خريطة الوطن العربي.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية