تُثبت تطورات الحرب الصهيونية على غزة استغلال إيران -بطريقة غير مباشرة- ظاهرة صراعها المزعوم مع إسرائيل عبر الحوثي: ذراعها الأحمق والمستهتر بالعواقب الذي يمكن أن يجلبها لليمن والمنطقة برمتها -سواءً كان مُدعياً أو صادقاً- قيامه بإطلاق دفعة كبيرة من الصواريخ البالستية والمسيرات المجنحة باتجاه إيلات الإسرائيلية، وتأكيد الصهاينة ذلك، فهذا الفعل يثير السخرية والغرابة والاستخفاف عن كون إيران تحرك ذراعها الحوثي البعيد جداً عن إسرائيل؛ بينما تخرس مليشياتها في سوريا ولبنان التي استفزها الكيان بعدة رشقات أسقطت ضحايا هناك إلا لأن الحوثي أحمق ويطمح في جلب الضجة له، ولفت الأنظار نحوه وخداع أنصاره وبعض المهووسين بأية ردة فعل يقوم بها أي طرف عربي لردع إسرائيل.

  ****

الحوثي أحمق لأنه يمنح الكيان مبرراً مجانياً في تكثيف هجماته الوحشية على غزة باعتبارها مندرجة تحت حق الدفاع عن النفس والتصدي للاستهدافات التي تناله من هنا وهناك، وارتدائه دور الضحية بدلاً عن الجلاد، إضافة إلى خلق أبعاد جديدة لهذه الحرب واتساع دائرتها، ودخول أطراف جديدة كأمريكا -مثلاً- التي صرحت بأنها من الممكن أن تستهدف اليمن بضربات جوية رداً على حماقة الحوثي واستفزازته المتكررة على قواعدها في البحر الأحمر.

   *****

هذا الأحمق الذي لا يخشى العواقب التي ستحدثها حماقته، وسذاجة تمثيله دور الطَّبال في زفة هذه الحرب التي لها أبعاد استراتيجية مضمرة ليس بمقدور سياسته الحمقاء إدراكها أو احتساب مخاطرها، كونه فصيلاً طائشاً تحركه طهران وفقاً لمنظورها السياسي، ولعبتها القذرة مع إسرائيل وأمريكا التي تسعى من خلالها إلى فتح مسارات متناقضة ولعب أوراق غامضة في هذا الظرف وتعزيز دورها المحوري في الصراع الشرق أوسطي، والتباهي بامتلاكها مفاتيحه وشفرات تحريكه. 

       ******

وكلما توغلنا أكثر في تمحيص نهج هذه الجماعة تتعرى حقيقة تبعيتها المطلقة لإيران وسياسة أمريكا في المنطقة، فبمجرد الابتعاد قليلاً عن جدية الضربات الحوثية على إسرائيل، سنجد أن الحوثي في الأصل يسعى ويتجه نحو استهداف السعودية والإمارات باعتبارهما الأقرب لمدى ضرباته وقدراته القتالية، والطرفين اللذين سيتهدفهما انتقاماً من الكيان الصهيوني، وقد لوح مراراً وتكراراً بهذا، ونفذ عمليتين على الحدود السعودية مؤخراً، الأولى استهداف قوات بحرينية تابعة للتحالف مرابطة في الحدود الجنوبية للمملكة، والثانية نالت من أربعة جنود سعوديين، وتمكنت القوات السعودية من إسقاط صاروخ بالستي حوثي في أجواء المملكة، علماً بأن هناك توترات وتصعيدات مكثفة تجري على الحدود السعودية في صعدة وحجة دفعت القيادة السعودية أن ترفع جاهزية قواتها إلى حالة التأهب القصوى بسبب التصعيد الحوثي  بالرغم أن المملكة تجري منذ أشهر مباحثات متواصلة مع الحوثي بغية الإمساك بخيط اتفاق وإحلال للسلام على الصعيد الداخلي اليمني والصعيد  الخارجي الإقليمي، إلا أن الحوثي تفصح أفعاله عن كونه دمية تتقاذها أقدام أجندة دولية، وتحركها كلما دعت الحاجة لذلك، وليس بمقدوره تحقيق مكاسب تخفف عن اليمنيين بؤسهم وتجنبهم حالة الفقر الذي أنهك مصيرهم.

     ********

وفي الداخل اليمني لم يتوقف قصف الحوثي بحق المدنيين في تعز والحديدة ومأرب منذ بداية الحرب على غزة، ولم تتغير سياسته القمعية في مناطق سيطرته وكان آخرها اقتحام منزل "الصايدي" في إب وترويع أهله وتفجير سيارته ومحتويات منزله واقتياد أطفاله بصورة وحشية تضاهي ما يفعله الصهاينة بل وأكثر، وكأنهما أرباب جرائم من نسل واحد..

وهنا نتساءل: أين الشرف والكرامة والغيرة التي يدعيها الحوثي تجاه غزة، وهو يرتكب أفظع مما ينالها بحق وطنه وأبناء جلدته، فلا يصدق ادعاءاته العدائية للصهيانة إلا أحمق أو ساذج، لأن من يحاصر تعز منذ ثماني سنوات ويقتل الأبرياء ويهدم المنازل ويلغم الطرقات يستحيل أن يصدر منه خير بتاتاً.

******

ولاستكمال تتبع الاستراتيجية التي سينفذها ذراع إيران الأحمق في اليمن، تحدثت كثير من المصادر المحلية والدولية عن تحشيدات وتحركات حوثية تتجه صوب خطوط التماس في مأرب وتعز والضالع والساحل الغربي، ومن المتوقع أن تشمل ضربات صاروخية سيشنها في هذه الجبهات تحت مطية أن هذه التطورات تتعلق باستهداف المناطق الشرعية التي تربطها علاقة مع دول التحالف العربي التي يراها الحوثي صهيونية، كذريعة سيتخذها مبرراً لهجماته التي سينفذها في الأيام المقبلة على هذه المناطق بعد أن اكتسب تضامناً وتعاطفاً شعبياً وعربياً جراء شجاعته الملعوبة مع غزة، بينما هو في الحقيقة يعزم على إشعال فتيل حرب داخلية شرسة وعلى الحدود، ركوباً لمطية الحرب الإسرائيلية على غزة، والاندماج مع تداعياتها وكسب المزيد من النفوذ والتأييد والتناقض العجيب الذي يبدو أن اللحظة الراهنة عالمياً مفصلة على تقبل هذه الصورة من الأحداث المخاتلة المتخمة بالزيف والتدليس والخيال السياسي القذر الذي تصدره عقلية القوى العظمى للحصول على تمدد وسيطرة ونفوذ عالمي جديد لتلك القوى في مناطق العالم الثالث، والتحكم بخيراتها وممراتها الدولية عبر زرع أجندة تابعة لها تخدم مصالحها وتخلق لها أسباب التوسع والنفوذ بكل يسر وأريحية أمام الرأي العالمي وأمام شعوب هذه القوى.

    ******

وخلاصة القول: إنك يا حوثي ستظل ذراع إيران الأحمق دوماً، ولن تكون بطلاً قومياً أو عربياً أو صاحب موقف أبداً؛ لأنك صهيوني أكثر من الصهاينة، ومحتل أكثر منهم، وسفاح مريع تجاوز نهجهم، ومجرم حرب أشد وحشية وخبثاً وتفوقاً عليهم، وسلالي عنصري أبعد مما يُعرف عن عنصريتهم، وخازوق استخدم في تدمير اليمن ونسف مقومات النظام والدولة فيها، وفزاعة تهديد دائمة يستخدمها الغرب ضد المملكة ولي ذراعها كلما طمح القرار السعودي التخفف من هيمنة ومركزية القطب الواحد، وعقد تحالفات جديدة تزيح جزءاً من تلك الهيمنة وبناء مصالح جديدة لا تتسم بالتبعية وإنما تتحلى بالتبادل والندية والاحترام والمشاركة الاقتصادية والعسكرية فكُنتَ أنت المسمار الذي أعاق أي خروج من بوتقة الهيمنة وحدوث نهضة واستقرار عربي وسلام إقليمي.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية