بعد تضرر البنية الاقتصادية الأساسية لمليشيا الحوثي، إثر الضربات الامريكية والإسرائيلية التي استهدفت الموانئ ومصانع الإسمنت ومطار صنعاء، باتت تجارة المخدرات هي مصدر التمويل الرئيسي للمليشيا، في ظل علاقة وثيقة تربط المليشيا المدعومة من إيران بشبكات تهريب دولية تمتد جذورها إلى سوريا ولبنان.

وكشفت معلومات أمنية مؤخراً عن امتلاك الحوثيين مصنعاً لإنتاج الكبتاجون في محافظة المحويت، شمال غرب اليمن، على غرار مصانع كانت تدار في سوريا من قبل نظام بشار الأسد وحزب الله اللبناني.

مدير أمن عدن اللواء مطهر الشعيبي، أكد في تصريحات صحفية أن المليشيا الحوثية تمارس "نشاطاً ممنهجاً في إنتاج وتهريب المخدرات"، مشيراً إلى أن المواد المخدرة، وعلى رأسها حبوب الكبتاجون، تُهرب إلى المحافظات المحررة وإلى المملكة العربية السعودية عبر شبكات تهريب منظمة.

وكانت قوات الأمن في منفذ الوديعة الحدودي أحبطت، خلال الأشهر الماضية، تهريب نحو مليون ونصف المليون حبة كبتاجون، كانت مخفية بإحكام داخل شاحنة قادمة من صنعاء ومتجهة إلى الأراضي السعودية. كما سجلت العاصمة المؤقتة عدن وعدة مناطق محررة أخرى، خلال الربع الأول من العام الجاري، ضبطيات متكررة لكميات كبيرة من الحشيش والمواد المخدرة، بعضها قادم من مناطق سيطرة الحوثيين.

محور الكبتاجون الدموي

وبحسب تقارير دولية، كانت سوريا في السنوات الأخيرة من حكم الأسد مركزاً عالمياً لإنتاج الكبتاجون، حيث أنتجت بحسب "مجموعة تحليل العمليات والأبحاث" (OCCRP) أكثر من 80% من الكبتاجون العالمي عام 2022، بعائدات تجاوزت 57 مليار دولار. حيث تولت الفرقة الرابعة في جيش نظام الأسد إدارة هذه الصناعة، وبتنسيق مباشر مع عناصر من حزب الله اللبناني وخبراء إيرانيين.

ومع سقوط نظام الأسد، وتدمير عدد من مصانع الكبتاجون في سوريا، بدأ عناصر حزب الله والحوثيين بنقل جزءاً من هذه الصناعة إلى اليمن.

صحيفة "ذا تايمز" البريطانية نشرت في تقارير سابقة أن خبراء من حزب الله ساعدوا في تدريب الحوثيين على تصنيع الكبتاجون محلياً، مستخدمين تقنيات تم تطويرها في معامل ريف دمشق والقصير في سوريا.

شبكة إقليمية لتهريب السموم

التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، ومنها تقرير فريق الخبراء المعني باليمن، أكدت أن إيران وحزب الله لعبا دوراً مركزياً في تمكين الحوثيين ليس فقط عسكرياً، بل أيضاً لوجستياً واقتصادياً. ويتضمن هذا الدعم إنشاء شبكات تهريب للأسلحة والمخدرات، وتوفير حماية أمنية لمسارات التهريب الممتدة من السواحل اليمنية إلى القرن الإفريقي، ومنها إلى دول الخليج.

وتشير تقديرات اقتصادية إلى أن سوق الكبتاجون في الشرق الأوسط تدر ما بين 5 إلى 10 مليارات دولار سنوياً، وتعتبر دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، من أبرز وجهاته المستهدفة. وفي هذا السياق، تشكل اليمن حالياً نقطة انطلاق خطيرة لهذه التجارة المحرمة، ما يجعلها أحد أبرز التهديدات الأمنية في المنطقة.

الصحفي إياد الموسمي، ذكر في منشور بصفحته على فيسبوك أن الحوثيين قاموا بتحويل عدد من مصانع الأدوية في العاصمة صنعاء إلى معامل لإنتاج الكبتاجون، بهدف تصديره إلى دول الخليج، في خطوة مشابهة للنموذج الذي كان يتبعه "حزب الله" في سوريا.

وأضاف: في يونيو 2024، داهمت قوة تابعة لما يُعرف بـ"الحارس القضائي" شركتَي "الدوائية الحديثة" و"العالمية للأدوية"، حيث تم اختطاف ستة من مديري وموظفي الشركتين، واحتجازهم في معتقل غير رسمي تابع للمليشيا. وفي اليوم التالي، أصدرت النيابة الجزائية المتخصصة مذكرة موجهة إلى البنك المركزي اليمني، تطالب بتجميد كافة الأرصدة والحسابات والتحويلات المالية الخاصة بالشركتين.


أداة تمويل وحرب

لا تستخدم مليشيا الحوثي المخدرات كمصدر تمويل فحسب، بل كسلاح في حربها على المجتمعات في الداخل اليمني وفي الجوار الخليجي، عبر نشر الإدمان وضرب النسيج الاجتماعي وتخدير أتباعها ليسهل جرهم إلى حروبها العبثية.

وفي وقته تدعو الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي إلى تجفيف منابع تمويل المليشيا الحوثية، يبقى التصدي لشبكات المخدرات أحد التحديات الكبرى التي تتطلب تعاوناً أمنياً إقليمياً، وملاحقة دولية للمتورطين في هذا النشاط الإجرامي.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية