سبحان الله، عن هذه الأرواح المظلومة كيف تفعل وتتكالب في لحظة فارقة من هذا الزمن المتعارض بأوهامه وفبركاته! كيف يصير ظلم إنسان ضعيف لعـنة متفاقمة ومتزايدة، ولا تزول إلا بعد أن تبكي السماء دمًا، كما يقول خليل جبران. الظلم المتمادي مع نشوة البطولة، حين يصير الدم بذور انتقام في قلب الحياة، هذا الظلم أسوأ بكثير من القـتل فقط، الظلم يدفن الأرواح حية، وأكثر سوءًا من هذا كله، أن يُظلم الإنسان لأنه ضعيف ووحيد وشائخ، هذا النوع من الظلم المتغطرس يجعل الكون من حولك يتآمر مع بعضه ليعيد موازنة الكفة، كما يقول باولو كويلو في الخيميائي.

الشاهد هنا، كما قلتُه سابقًا، قد تنفق الأنظمة الحاكمة عشرات الملايين من أموالها وميزانياتها وبرامجها لجعل صورتها بطولية خالصة، ستنفقها بسخاء وإغراء وتعالٍ، وستدرب لأجلها مئات الشباب وتزودهم بمعدات غالية الثمن، ليصنعوا محتوى يصب في صالح حضورها وتصدرها. ستنشئ قنوات وفضائيات ومنصات وإذاعات صوتية، ستصنع المستحيل وأكثر، لتخلق نموذجها البطولي العادل، لكنها في لحظة عابرة من عمق النشوة والطفرة والثقة العمياء، لحظة من الزمن في ساعة الذروة، لحظة غير متوقعة وغير محسوبة، لكنها تولد من رحم الحياة المدفونة في أعماق النفوس المتوارية عن الأنظار، -لحظة واحدة فقط-، ستظهر فيها صورة طفل مقهور من بعيد، أو جثـمان رجل شائخ من أقاصي الأماكن المنسيّة، لتحدث المفارقة، صورة واحدة فقط، لقصة واحدة فقط، تصنعان عواقب لا يمكن لجمها، لتتشكل خلاصة مفادها: صورة وقصة وحقيقة ولحظة فارقة، ستخسف بمنظومتك وإعداداتك وترسانتك وتراكماتك ومجموعاتك وخيالاتك وأفعالك وكل حالاتك، ستخسف بها كلها في قناعات الناس المتراكمة، هنا وهناك، حتى تقلب أنصارك عليك بلا مقدمات، وهذا ما يحدث الآن، ليس لشيء، إنما لأن الظلم يخسف نفسه بنفسه، ويمحو بطولاته من تصورات العالم المتعطش لبطولات الخيال، يمحوها بيديه، وهنا ينتهي كل شيء من أمامك، مهما تزينت وتلونت وأنفقت المليارات. لأن الظلم في مكان ما، يشكل تهديدًا للعدل في كل مكان، هذه حقيقة، الظلم بدافع البطولة، هو قشة النهاية. وكما يصفه شكسبير في تاجر البندقية: الظلم، هو روح لا تنام، بل تسهر طويلًا، لتبني للظالم قبره بيديه.

أخبار من القسم