الحوثي يطارد التربويين!
في الأسابيع المنصرمة وقع العشرات من التربويين ضحايا اختطاف حوثي تعسفي ومباغت من الشوارع وأماكن عملهم، ولم يعد أحد يستفسر عن طبيعة التُهم الموجهة لهم، فقد غاب هذا التساؤل عن أذهان العامة، ونفيت الحيرة حيال هذه التعسفات الحوثية التي غدت جزءًا من صور الحياة اليومية في مناطق الكهنوت، وحده ما يثير الدهشة تركيز حملات الاختطاف وتخصيصها لمطاردة كوادر التربية والتعليم بشمولية ممنهجة وإصرار متعمد كحصاد أخير يقتلع وجودهم دون تردد بشكل جمعي، وظاهرة مخيفة تثير الرعب في أكثر من مكان.
نالت إب القسط الأكبر من هذه العاصفة السوداء التي شملت مختلف مديرياتها، وجرفت مصابيح النور من كل مناطقها وقراها، وبات المعلمون فيها يعيشون حالة من الذعر والتخفي وترقب مداهمة مساكنهم وترويع أسرهم، فمن حانت ساعته منهم سقط في شباك الحملات المباغتة مهما كان تخفيه، بعد ترصد دقيق من قِبل مُخبرين مجاورين للضحية، ومسهمين في رفع تقارير كيدية أو مجندين لخدمة السلالة والعمل لصالحها، في سابقة لضرب النسيج الاجتماعي من الداخل، وانشطاره بين مخبرين ومتهمين، حيث تتم مراقبة الأهداف المرصودة بعناية، ولا مجال لفرارها من قبضة الاختطاف.
من إب إلى صنعاء وذمار والمحويت وريف تعز والبيضاء تفوح روائح الاختطاف كل يوم، فقد انصب سخط المليشيات باتجاه المعلمين كنار في هشيم بدوافع مجهولة واعتبارات غامضة دون أن يكون لهذه الشريحة أي دور علني مناوئ لسياستهم، أو مستهجن للظلم الواقع عليهم، أو ثبوت أي شكل من أشكال النشاط المقاوم والرافض للخسف السلالي المحيق بحاضرهم، بل إن النوايا الحوثية عازمة على تشويه صورهم ونبذ بقائهم وثباتهم في تأدية رسالتهم التربوية رغم ظروفهم القاسية وتجرعهم ويلات الجوع والفقر، فتمسكهم بهدفهم التنويري وإرادتهم الصلبة على مواصلة التدريس دون عائد جعل المليشيات تتخذ قرارها بسحقهم واتهامهم بالباطل.
وحدهم التربويون خط الدفاع الأخير لردع ذلك التلغيم الشامل لذهنية النشء، ومن يحاولون ترشيد التلاميذ بخطورة التطييف التعليمي المدمر لدينهم وهويتهم ومبادئهم، حتى وإن كانوا يرضخون لتدريس هذه المناهج تحت التهديد، لكنهم نافرون منها ومثيرون للشكوك حولها، وكشف زيفها والتحذير منها، فما زال طلاب المدارس ينصتون لتعليماتهم ويتبعون نصائحهم بطرق غير مباشرة تجنبًا لعقاب المشرفين، وهذا الأمر خلق عائقًا أمام الاستجابة الكلية من طلبة المدارس، وترك عندهم موانع صد ورفض وفهم لمخاطر الاستسلام لكل دعايات وطقوس وبرامج السلالة الحوثية، سواء كانت تلك التوجهات منصبة في صلب المناهج المدرسية أو البرامج النشاطية أو متكدسة في الدورات الثقافية أو في المراكز الصيفية.
وعليه؛ فإن إعادة بناء التعليم بالصورة التي ترسخ تفشي الفكر العقائدي الحوثي ليست مضمونة بآلية تغيير المناهج فحسب؛ بل يستدعي نجاحها التام سحق المعلمين وبعثرة وجودهم، وإفساح الطريق لرعاع الفصيلة السلالية المؤيدين للمشروع والمتعصبين لكل أوهامه وتقديساته، ولأن الدور انصب على التربويين فإنهم سيواجهون ما يشبه الإبادة بشراسة منقطعة النظير، وما برز إلى السطح من اعتقال ومطاردة لهم مجرد بداية إجبارية ستجعل المنتسبين لهذه الفئة صيدًا سهلًا وتطهيرًا مشروعًا لن تتنصل الجماعة عن إتمامه، فطموحاتها تراتبية تتوزع بين إغلاق نوافذ الممانعة لقبحهم كالمدارس وبين اجتثاث القوى الحية، المحرك الرئيس لبقاء تلك النوافذ خارج سياق الرغبة السلالية وأملها في صياغة أجيال تولد من رحم العنصرية الهاشمية، ووهمها في الحق الإلهي والقناعة المطلقة بأفضلية السلالة وأحقيتها بالولاء والتقديس والعبودية من قِبل اليمنيين.