وصلت إلى مدينة المخا في زيارة تستغرق يومين للمشاركة في فعاليات ذكرى ثورة الثاني من ديسمبر، زيارة تحمل في طياتها الكثير من المقارنة والحنين، لأن آخر مرة وطأت قدماي هذه المدينة كانت في العام 2014 وبين الزيارتين عالمان لا يلتقيان، وواقعان لا يجتمعان، ومسافة زمنية صنعت تحولاً يعجز القلم عن وصفه.

ففي الوقت الذي ترزح فيه معظم مدن اليمن تحت أثقال الحرب، وتئن تحت ركام الانهيار والحرمان، تبدو المخا وكأنها جزيرة مستقلة خارج الجغرافيا السياسية للعالم، مدينة اختارت أن تقول للحرب لا، وأن تبني حياة جديدة فوق أطلال الخراب الذي يلتهم اليمن.

المخا اليوم تنبض بالحياة مشاريع وطرقات وعمران وحركة تجارية واسعة وميناء يستعيد مجده التاريخي ومطار يفتح آفاقاً واسعة نحو العالم، وكأن المدينة عقدت اتفاقاً مع المستقبل لتتقدم مهما كانت أثمان الحرب في بقية البلاد.
لكن الصورة الأعمق ليست فقط في العمران بل في الناس.

المخا صارت مدينة تحتضن كل اليمنيين من مختلف المحافظات، بكل أطيافهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم، بلا حساسيات ولا اصطفافات ولا أسوار. مجتمع مفتوح يشبه صنعاء قبل 2011 مدينة تذوب فيها الفوارق ويتساوى فيها الجميع تحت مظلة الأمن والاستقرار والعمل والجمهورية.

في المخا تشعر أن فكرة الدولة ليست مجرد شعار بل واقع يلمس في الشارع وفي الميناء وفي الخدمات وفي النظام وفي انضباط المؤسسات.

مدينة تقول لك إن اليمن قادر على النهوض متى ما امتلك إدارة حقيقية وإرادة صلبة.

تحية خالصة للدولة وقادتها، لأن المخا اليوم ليست مجرد مدينة تنهض، بل نموذج لما يمكن أن يكون عليه اليمن حين يقوده من يؤمنون بالعمل لا بالضوضاء، وبالبناء لا بالهدم، وبالمستقبل لا بالماضي.
أدعوكم لزيارتها، ستندهشون فعلياً.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية